قد يعتبر المرء التعهدات التي أطلقتها إسرائيل وبعض أصدقائها في الولاياتالمتحدةالأمريكية من المرشحين الرئاسيين الطامحين للوصول إلى البيت الأبيض أمرا مسليا لا أكثر ولا أقل، لكن ذلك موقف خاطئ بالتأكيد. الالتزامات السياسية التي يتم إطلاقها، حتى لو تم تناولها طرحها سطحي وبسيط، هي في الحقيقة أمور بالغة الخطورة ولها انعكاسات على العالم الحقيقي الذي نعيش فيه. في الوقت الحاضر، الالتزام لإسرائيل يحمل معه شيئا يتجاوزالاستعداد لمنح تل أبيب مليارات الدولارات بشكل مساعدات سنوية. كل المرشحين الرئاسيين الجمهوريين باستثناء واحد فقط بينوا بأنهم تواقون للإساءة للمسلمين في كافة أرجاء العالم من خلال نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. والأسوأ من ذلك أن نفس المرشحين الرئاسيين أعربوا بكل وضوح عن استعدادهم لدخول حرب مع إيران نيابة عن إسرائيل حتى ولو كانت إسرائيل هي البادئة بالصراع، في الوقت الذي تآمر فيه الإعلام مع الحزب الجمهوري على تهميش أي آراء مخالفة لذلك وعدم تسليط الضوء عليها. والوعود التي تم إطلاقها طمعا في الوصول إلى البيت الأبيض يمكن أن يكون لها آثار وانعكاسات كارثية في المستقبل. الحرب قضية خطيرة كما علمتنا السنوات العشر الأخيرة بالتأكيد، وإيران، التي كان لديها سبع سنوات للاستعداد لصد هجوم عليها هي طرف أكبر وأشد قوة من كل من العراق وأفغانستان معا. بغض النظر عن موقف المرء من الحكومة الإيرانية الحالية وطموحاتها، على الجميع أن يلاحظوا ما يحدث لتأجيج الاتجاه نحو الحرب. قرع الطبول متواصل، ويغذيه كل أسبوع تعليقات وتصريحات من سياسيين إسرائيليين بارزين يحذرون من أنهم سيضطرون للتصرف، وكذلك من الافتتاحيات ومقالات الرأي في الصحف الأمريكية. يكرر هؤلاء على مسامع الشعب الأمريكي مرات ومرات أن إيران تعمل على تصنيع سلاح نووي، وأن طهران تهدد الجنود الأمريكيين، وأن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تعهد بمسح إسرائيل عن خارطة العالم. ومهما حاول البعض تحدي هذه الادعاءات وفضح كذبها وتفنيدها، يتم بناء قضية أن الحرب مع إيران مسألة محتومة. غالبية الشعب الأمريكي يعتقدون الآن أن إيران لديها أسلحة نووية وأنها تشكل خطرا حقيقيا على الولاياتالمتحدةالأمريكية. أحد الذين يسبحون بعكس التيار المنسجم والمتفق على وجود الخطر الإيراني هو عضو الكونجرس والمرشح الرئاسي الجمهوري رون بول من ولاية تكساس. جرائم رون بول ضد الوضع الراهن تتشكل من قوله أنه سيلغي جميع المساعدات الخارجية، والتي تعتبر إسرائيل المستفيد الأكبر منها، وأنه لن يدخل حربا مع إيران من أجل إسرائيل، والتي تمتلك مخزونا كبيرا من الأسلحة النووية وجيشا متطورا يتمتع بأعلى درجات الجاهزية، وهذا يؤهلها للقيام لاتخاذ قراراتها الخاصة المتعلقة بأمنها والاعتناء بنفسها. هذه المواقف التي أطلقها رون بول، والتي تبدو منطقية بما فيه الكفاية، تسببت بإثارة غضب واضح بين بعض النقاد والمحللين. رون بول كان القيادي الوحيد من الحزب الجمهوري الذي تم استثناؤه من النقاش بين المرشحين الرئاسيين الذي رعاه تحالف اليهود الجمهوريين في أوائل ديسمبر الماضي. وحاول المدير التنفيذي لتحالف اليهود الجمهوريين، ماثيو بروكس، أن يشرح السبب بقوله أن رون بول كان «بعيدا جدا خارج التيار الرئيسي للحزب الجمهوري وهذه المنظمة». وذهب الكاتب إيرك جلوب من صحيفة واشنطن تايمز أبعد من ذلك بكثير حين كتب أن «مؤيدي رون بول غاضبون من استثنائه ... بالرغم من أن الدكتور رون بول لم يبد أي اهتمام علني... اذهبوا إلى لوحات رسائل رون بول، اقرأوا العبارات المعادية للسامية، وبعد ذلك افهموا لماذا لا يريد أحد هؤلاء الأوغاد في أي مكان قريب من المناسبات والنشاطات المحترمة.» لذلك فإن الاعتراض على منح إسرائيل مساعدات سنوية باذخة تصل إلى مليارات الدولارات ورفض الذهاب إلى حرب بالنيابة عن إسرائيل سببان كافيان لرمي المرء في قلب الصحراء، لكن هناك ما هو أكثر. جوش بلوك، وهو متحدث سابق باسم لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، بعث رسالة إلى قائمة التعميم الصحفي للمحافظين الجدد اسمها «المجتمع الحر» وصف فيها أي شخص معاد لإسرائيل أو لا يوافق على أن «إيران ستكون مشكلة إذا امتلكت سلاحا نوويا» بأنه شخص معاد للسامية. إن المساواة بين انتقاد إسرائيل أو التشكيك بالرواية القائلة إن إيران تطور أسلحة نووية من شأنه إذا ً أن يجعل المرء معاديا للسامية، وهي نتيجة تبسط بالتأكيد التفكير حول الشرق الأوسط. كما أنها تجعل المقولات الأكثر شمولا التي يطرحها أصدقاء إسرائيل تتحول إلى دائرة كاملة. أي تشكيك بالعلاقة التي تربط الولاياتالمتحدةالأمريكية مع إسرائيل هو أيضا معاداة للسامية. أي تغيير في الطريقة التي تتصرف فيها الولاياتالمتحدة بأموال الضرائب الأمريكية بشكل يقلص المبالغ التي تذهب إلى إسرائيل هو معاداة للسامية. أي انتقاد لسياسة إسرائيل مع جيرانها هو عداء للسامية. أي تشكيك في «حق» إسرائيل بشن حرب إقليمية على إيران ستجر بشكل حتمي الولاياتالمتحدة هو أيضا معاداة للسامية. أنا متأكد من أن الصورة أصبحت واضحة. الادعاءات بمعاداة السامية تناسب كل موقف تكون لإسرائيل علاقة ولو سطحية به. أدنى نفحة من معاداة السامية هي السلاح النهائي، المراد منه إنهاء أي نقاش.