وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي -كما هو حال كل وزير بترول سعودي- نجده متحدثاً وحاضراً ومحاضراً في أهم المنتديات البترولية والاقتصادية العالمية، يخاطب الغرب والشرق المستورد للنفط السعودي، ويطمئنهم على الإمدادات النفطية السعودية، ولقاءاته مع السياسيين والصحفيين وكل المعنيين من خارج الوطن حول موضوع البترول أو مستقبله تجدها على واجهة الصحف العالمية والأخبار الدولية، وهذا شيء جيد ومهم بحكم مسؤوليته عن الشأن البترولي السعودي وبحكم اهتمام الدول المستوردة للنفط بمستقبل اقتصاداتها المعتمد على وارداتها من النفط السعودي. البترول السعودي ومستقبله إن كان مهما بالنسبة للدول المستوردة له فإنه مصيري بالنسبة لنا كمواطنين سعوديين، والسبب بسيط جداً وواضح جداً، فميزانية الدولة للعام الحالي 2012م تعتمد بنسبة 93% على إيرادات البترول، لذا وفي ظل غياب بدائل أخرى للدخل بسبب السياسات الاقتصادية التي لم تنتج على مدى الخمسين عاماً الماضية مصدراً آخر للدخل فإنه يبدو أن حياتنا الاقتصادية وحياة الأجيال القادمة ستظل معتمدة اعتماداً رئيساً على البترول حتى ينضب أو تتلاشى قيمته السوقية. هذا البترول الموجود في مخازن جيولوجية تحت الأرض السعودية هو ملك لهذه الأمة وللأجيال القادمة، ومعالي المهندس علي النعيمي، وزير سعودي شرعيته مستمدة من هذا الوطن ومواطنيه ومهمته في الأصل والأساس هي تعظيم فائدتهم الحالية والمستقبلية من هذه الثروة البترولية، إذن فإن اهتمامه الأساسي والأكثر يجب أن ينصب على إفهامهم وإخبارهم وإعلامهم والاستماع إلى آرائهم وآمالهم ومخاوفهم بخصوص ثروة هي الأمل الوحيد – بعد الله – في تمويل متطلبات حياتهم وحياة أبنائهم الاقتصادية. قبل أيام ألقى معالي الوزير الكلمة الرئيسة في الاجتماع السنوي ل»تشتم هاوس» (Chatum House)، إحدى المؤسسات البحثية العريقة والرصينة في لندن، وقال قولاً كثيراً وهاماً، يهمني في هذا المقال منه قولان: أولاً قال معاليه «إن النفط وُجد ليبقى». وقال ثانياً «إن الاستهلاك المحلي (السعودي) من البترول لن يؤثر على صادرات المملكة من النفط حاضراً ومستقبلاً». وسؤالي لمعاليه في الموضوع الأول، كم سيبقى النفط يا معالي الوزير؟ التقديرات والإحصاءات بما فيها تلك الصادرة عن مسئولين سابقين وحاليين في شركة أرامكو التي لوحدها تكتشف وتستخرج وتبيع وتستلم كل ما يتعلق بالثروة البترولية، متفاوتة، فمن قائل إن احتياطنا من النفط سوف يبقى معنا إلى سبعين عاماً، ومن قائل إنها ثمانون عاماً، أما التقارير الأجنبية فحدث ولا حرج، فهلا حدثتنا وأخبرتنا يا معالي الوزير بما تعرفه عن هذا الرقم المصيري لحياتنا ومستقبلنا، أنا أعلم أنه رقم يتغير بتغير الإنتاج وبتغير الاكتشافات الجديدة أو تقنيات الاستخراج الجديدة، لكننا نرضى بما لديك وبما أنت مقتنع به حتى نستطيع أن نخطط لمستقبلنا فسبعون عاماً أو مائة عام ليست زمناً طويلاً في عمر الشعوب والأجيال. وفي الموضوع الثاني يقول معاليه،»إن استهلاك المملكة من البترول لن يؤثر على صادراتنا البترولية حاضراً أو مستقبلاً». وأقول لمعاليه إنني أعتقد أن في الأمر خطأ منطقياً وحسابياً، فصادراتنا البترولية هي حصيلة ما نستخرجه من البترول ناقصاً ما نستهلكه محلياً، وكلنا يعلم أن استهلاكنا المحلي من البترول يزداد بنسبة عالية جداً تصل إلى 7% سنوياً، وأن استهلاكنا الفردي من الطاقة من أعلى المستويات العالمية، فكيف يكون ذلك؟! إنني متأكد من أن هذه المعادلة الرياضية البسيطة لا تفوت على معاليكم، وعليه أعتقد أنك تقول إنه مهما زاد الاستهلاك المحلي من البترول فإننا سنزيد عمليات استخراج واستنزاف الاحتياطيات البترولية لتلبي مطالب واحتياجات الدول الأخرى من البترول السعودي، لا شك أن هذا خبر وتأكيد مفرح للسوق العالمية، لكنني لست متأكداً من أن هذا النهج في الاستنزاف البترولي السعودي سواء للتعويض عن الزيادة في الاستهلاك البترولي المحلي أم النقص الناجم عن توقف أو انخفاض صادرات البترول من الدول المصدرة الأخرى، يصب في مصلحة الوطن والمواطنين، الملاك الحقيقيين لهذه الثروة البترولية، وقد يكون من الواجب على معاليه أن يشرح لملاك هذه الثروة الأسباب والفرضيات التي تجعله يرى أنه من مصلحتنا الوطنية سد كل نقص في السوق البترولية العالمية من احتياطاتنا البترولية، فقد يكون لدى معاليه أسباب مقنعة، ويبقى القرار في نهاية المطاف في يد الملاك الحقيقيين لشركة أرامكو وأصولها البترولية فوق الأرض وتحتها، صحيح أنه لا توجد جمعية وطنية تجمع جميع المواطنين كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، ملاك الثروة البترولية، تحت سقف واحد يستطيعون من خلالها مراجعة السياسيات البترولية والاستثمارية لشركة أرامكو، التي يرأس مجلس إدارتها معالي الوزير، لكنه يمكن اعتبار مجلس الشورى نائباً مؤقتاً عن المواطنين لمراجعة سياسات الشركة وطرح هذه الأسئلة وغيرها على معاليه، وأقول مؤقتاً لأنه مجلس لم ينتخبه المواطنون ولكنه – كما يُقال – الضرورات تبيح المحظورات. هنالك يا معالي الوزير أسئلة كثيرة وكثيرة في ما يتعلق بقطاع البترول الذي يرأسه ويديره معاليكم منها على سبيل المثال: * - ما هو حجم احتياطاتنا البترولية القابلة للاستخراج والبيع؟ ولكم من السنين ستبقى تدر علينا دخلاً حسب معدلات الإنتاج الحالية والمستقبلية؟ * - من يحدد سعر البيع ومن يقرر عقود البيع وآجالها؟ وهل جميع الأموال من مبيعات البترول تدخل مباشرة خزينة الدولة أم تذهب مباشرة من أرامكو لدفع قيمة مشتريات حكومية من جهات خارجية أو داخلية؟ وهل تحول أرامكو إيرادات البترول الواردة إليها من المشترين إلى خزينة الدولة أم أنها تبقي لديها ما تراه كافياً لمصاريفها التشغيلية والاستثمارية وتعيد الباقي إلى خزينة الدولة؟ * - هل هناك رقيب ومراجع ومدقق لمصاريف أرامكو وإيراداتها، وهي أموال تقدر ببلايين الريالات؟ * - أنا أعرف أن مجلس الإدارة لأية شركة مسؤول أمام ملاك الشركة، وإذا كان مجلس الشورى كما أسلفت يمثل ملاك الشركة (المواطنين) ولو بشكل مؤقت، فهل تقدم شركة أرامكو للمجلس تقريراً فصلياً وسنوياً عن قيمة أصول الشركة، وخصوصاً ما في باطن الأرض من بترول وغاز، وما تم بيعه خلال العام، وما تم استلامه وتسليمه لخزينة الدولة؟ أسئلة كثيرة يا معالي الوزير تحتاج منك جهداً ووقتاً للإجابة عليها ومتابعتها بشكل دوري، ولأن رضى الملاك وقناعتهم بأن ما تقوم به الإدارة المؤتمنة على أصولهم البترولية ومستقبل شركتهم يأتي أولاً قبل رضى العملاء فإنني أقترح يا معالي الوزير أن تكون علاقتك باقتصادنا الوطني أقوى وأكبر، فهذا النفط يا معالي الوزير يهمنا كثيراً كثيراً.