تعرض لاعبو الاتحاد في إحدى مبارياتهم في دوري عبداللطيف جميل هذا الموسم 1435/1434 إلى هتافات عنصرية من بعض الجماهير تتضمن إعابة للبشرة السمراء التي يتصف بها بعض لاعبيهم، حينها رفع النادي احتجاجاً إلى لجنة الانضباط ورُفض الاحتجاج شكلاً لا مضموناً بناءً على المادة «79/1/1» التي تنص على أنه يجب أن يصل الاحتجاج المقدم للاتحاد أو الجهة المنظمة قبل الساعة الثانية ظهراً من اليوم التالي لإقامة المباراة، فيما لم يفعل نادي الاتحاد ذلك، وكان النادي قد أصدر بياناً صحفياً ذُكر فيما ذكر فيه تكرر وصف لاعبيه بهذا الوصف من بعض الجماهير، وكان للإعلام عموماً تركيز على هذا الشأن وتجريم له، ولعل من المناسب الإشارة بالتقدير إلى المذيع وليد الفراج الذي سلَّط الضوء على هذه المشكلة ووصفها بما تستحقه وطالب الاتحاد السعودي بإقرار مشروع وطني لتثقيف المشجع وكذا وزارة التعليم لإيجاد مناهج تعليمية تتضمن توعية للناس كافة من خطر العنصرية. عرَّفت المادة الأولى من (الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري) المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965 التمييز العنصري بأنه (أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة)، والحديث هنا عن التمييز العنصري ليس حديثاً قانونياً، فالقانون لدينا في المملكة لا يفرق بين أحد، الحديث هنا هو عن الممارسات التي يقوم بها بعضهم تجاه من يشاركه هذا الوطن من انتقاص وتهميش ومعاملة دونية. من المهم -حسب اعتقادي- أن نكون أكثر صدقاً مع أنفسنا حينما نعترف أولاً بوجود بعض العادات والتقاليد السيئة والمتجذرة مع الأسف خلال سنوات طويلة كعادة التمييز العنصري بين الناس، حتى ليُعامل بعضهم الرجل شديد السمرة تحديداً بطريقة خالية من أي ذوق واحترام وكأنما هو مخلوق من كوكب آخر ولا يستحق أن تُحفظ كرامته ويُحترم، بل يصل الحال ببعضهم إلى تأخيره حتى خلف أطفاله وهو كبير السن وامتهانه أمام الجميع، هذه الحالة في اعتقادي نابعة قبل كل شيء من البيت ممثلاً في الوالدين والأسرة بصفة عامة، هذه الأسرة هي المصدر الأول الذي يتلقى منه الطفل أدبياته وأخلاقياته، ومن المجتمع والبيئة كمصدر مهم آخر للأخلاقيات العامة، لذا فمن يُسيء للآخر عنصرياً فهو يعكس الواقع المرير الذي نعيشه في مجتمعنا، إنني أعتقد أن التعليم ينبغي أن يأخذ دوره في تعزيز وترسيخ المساواة بين المواطنين عموماً والتأكيد على أنَّ التفرقة بينهم تهدد السلم الأهلي وبنية المجتمع بصفة عامة، شخصياً سبق لي في أحد المقالات اقتراح منهج (علم الأخلاق) ليكون ضمن المناهج الدراسية، فالطالب منذ سنواته الأولى يحتاج بالإضافة لتعلم أبجديات القراءة والكتابة والعبادات الأساسية وغيرها إلى تعلم المعاملة الجيدة بشيء من الوضوح، أما النقطة الأخرى التي أجدها ضرورية لحل هذه المشكلة فهي في وجود قانون يصنِّف هذا النمط من الأفعال على أنَّه جريمة يُعاقب عليها، بحيث يتم الاقتصاص من كل شخص يمنح نفسه الحق في التعدي العنصري على الآخرين، أما قبل ذلك فلا أظن أنَّ هذه العادات القبيحة ستزول من المجتمع. حينما كانت المملكة وما زالت ذات معدل كبير في حوادث السيارات والوفيات فإنَّ المقالات وكلمات التوعية لم تجدِ نفعاً، وحدها مخالفات ساهر المرورية هي ما تسببت في انخفاض هذه المعدلات في أماكن تطبيقها، في اعتقادي أنَّ العنصرية بكل أشكالها تحتاج لنظام لضبطها، وجهة رسمية لاستقبال شكاوى من يعانون منها، وجزاءات لمرتكبيها بحيث يستطيع الجميع أن يلمس انخفاضاً وزوال هذه الظاهرة، أما الاكتفاء فقط بمقالات وإرشادات توعوية فلا أظنها ستغير كثيراً في المجتمع. إنَّ أزمة التمييز العنصري بكافة أشكاله هي مشكلة نابعة في أحد أجزائها من الشعور الطبقي الاجتماعي، الطبقية كانت وما زالت مترسخة مع الأسف في أذهان الكثيرين حتى لتجد حتى الساعة من يتغنّى بطبقته وقبيلته حتى على حساب الأخلاق والمثل، بل ربما يسمح لنفسه بممارسة الظلم بحق المختلفين معه عن طريق محاباة طبقته وقبيلته وطائفته وتقديمهم دون سبب على الآخرين ودون مراعاة للقانون ولأي اعتبار آخر، في اعتقادي أنَّ كل هذه السلوكيات والمشاعر هي نتيجة لعرف ليس له أي أساس شرعي أو تاريخي، وينبغي لنا أن نمتلك الشجاعة للاعتراف به ونبذه، ورد في الحديث النبوي الشريف (لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى).. وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: