بعد صولات وجولات، ومناورات فوق الطاولة وتحتها أوصى مجلس الشورى وزارة التربية والتعليم بإدخال مادة اللياقة البدنية ضمن مناهج مدارس البنات الحكومية أسوة بما تقدمه المدارس الخاصة لطالباتها. وقد امتلأت أعمدة الصحف المحلية بمقالات عدة تتحدث وتثني على مجلس الشورى حينما عرض الاقتراح على التصويت، الذي جاءت نتيجته لصالح الاقتراح. وقد أبدى بعض الكتّاب تحفظهم حول صيغة التوصية، مثلما فعلت الأستاذة أميرة كاشغري في مقالها «الدال والمدلول: الرياضة البدنية» مقابل «اللياقة البدنية»، الذي أوضحت فيه المعنى وكشفت الرمز المخفي من وراء استخدام كلمة اللياقة بدلاً من التربية البدنية التي جاءت في نص التوصية، إلا أنه لا يسع المرء حينما يكون موضوعياً إلا أن يرحب بما قام به المجلس، كخطوة في الاتجاه الصحيح لإتاحة الفرصة للبنات في المدارس الحكومية ممارسة بعض من الرياضة؛ لما في ذلك من فوائد جمة لهن، فالعقل السليم في الجسم السليم، والرياضة البدنية بجميع أنواعها تعطي لمن يمارسها جسماً سليماً يساعده على مقاومة كثير من الأمراض، وخاصة أمراض العصر التي غدت تهتك بنا يمنة ويسرة. حتى الآن لم تفصح وزارة التربية والتعليم عن خططها في تنفيذ هذه التوصية، وما هو الجدول الزمني لتطبيقها، وهل تم اعتمادها لديهم، أم ما زالت الوزارة تقلب الأمر وتدرس تداعيات تنفيذها؟ وحتى يصدر منها ما يجيب على هذه الأسئلة، دعونا نتوقف عند التربية البدنية، أو المنهج الرياضي المطبق في المدارس الحكومية. لم يعانِ الذكور من عدم وجود حصة للتربية الرياضية ضمن مناهجهم أبداً، فمنذ أول سنة لهم في المدرسة وحتى حين الانتهاء منها، وهم يستمتعون بهذه الحصة دون توقف. ولكن هل هم فعلاً يتعلمون ويمارسون التربية البدنية، أم أنها حصة لممارسة كرة القدم، وليس لتعلمها؟ هل السبب هو هوانا وعشقنا لكرة القدم الذي جعل من هذه الحصة تنحصر في إطلاق عنان الطلبة ليلعبوا كرة القدم كيفما يشاؤون، ومن ليس لديه الرغبة أو الموهبة في اللعب فمحكوم عليه بأخذ دور المشجع وقضاء حصة التربية الرياضية بدون رياضة؟ لا جدال على أن كرة القدم تحظى بشعبية كبيرة لدينا، ونحن كمعظم شعوب الأرض ندوب عشقاً فيها، فمن منا بلا فريق يشجعه؟ لا عجب أن ترى ابنك وهو ما زال في المرحلة الابتدائية يمتلك حصيلة من المعلومات الكروية تفوق ما جمعتها طوال سنين عمرك التي قضيتها وأنت تتفرج على الدوريات المحلية و الإقليمية والبلدان الأوروبية، أضف إليها مباريات كأس العالم وغيرها من المباريات التي يتسابق ملايين البشر على مشاهدتها والقفز من على مقاعدهم ابتهاجاً حينما تخترق الكرة شباك الفريق الخصم. ولكن كل هذه الشعبية وكل هذا الحماس لكرة القدم لم يجعل من مدارسنا تقدم لفريقنا الوطني لاعبين بارزين، يدفعون به نحو مراكز متقدمة في مضمار التسابق الكروي العالمي. فالمدرسة الحقيقية هي النادي فقط، وليس المدرسة. لدينا جوائز عدة وبطولات مختلفة تبقي أنديتنا الرياضية مشغولة طوال العام، والنادي المحظوظ هو من ينال كأساً من كؤوس هذه البطولات، ويمنح لقب بطل الدوري، ولكن ليست هناك بطولة واحدة ولا دوري واحد ذو قيمة كبيرة لمدارسنا، التي لم يعرف طلابها غير حصة كرة القدم، وحتى جامعاتنا وقد تخطت رقم العشرين لا يوجد لها دوري واحد مميز، وكأس تضعه عند مدخلها، أو في مكتب رئيسها افتخاراً وزهواً بتغلب طلابها على زملائهم في بقية جامعاتنا التي تعج صفوفها بعاشقي كرة القدم. وكي لا نبخس بعض مدارسنا حقها، وخاصة الحديثة منها، ففيها ملاعب مغطاة ومكيفة يمارس التلاميذ فيها بعضاً من الرياضة، ولكنها تتم بخجل واستحياء، فإذا كانت كرة القدم المدرسية لا تحظى برعاية «رعاية الشباب»، فكيف هي الرياضات الأخرى؟ مع الأسف ما زالت مدارسنا بلا ملاعب، ولا مدربين رياضيين تمت تهيئتهم وإعدادهم كي يكونوا معلمين ومدربين متمكنين في تعليم طلابهم واستكشاف وتنمية الموهوبين منهم. ولتجب الوزارة على سؤال بسيط: كم مدرس تربية رياضية بين آلاف المدرسين من نال تأهيلاً أكاديمياً وتدريباً على أصول علمية متخصصة؟ الوضع العام لمدارسنا وكلياتنا ومعاهدنا «الذكورية» يعاني من نقص ملحوظ في استعداداتها ومنشآتها الرياضية، ولكي تتغلب على هذه النواقص، فهي في حاجة لإعادة صياغة خططها وآليات تنفيذها، وهو ما سيتطلب كثيراً من الجهد والإرادة والتصدي للفساد، والخطط الارتجالية، ومراجعة شفافة للممارسات والتجارب السابقة، كي لا تقع فيها مرة أخرى حين البدء في تنفيذ ما أوصى به مجلس الشورى حول تطبيق دروس اللياقة البدنية في مدارس البنات، والارتقاء بالتوصية كي تكون توصية لإدخال التربية الرياضية بكل أنشطتها في جميع مدارسنا وجامعاتنا، تمكننا وتجعلنا قادرين على إرسال أكثر من «وجدان» لتمثلنا في الألعاب الأولمبية. وأخيراً، أليس من المنطقي أن يكون هناك تنسيق وتعاون بين رعاية الشباب وبين وزارات التعليم؛ كي يكون لدينا فرق مدرسية وجامعية مبدعة، تشكل مصدراً ونبعاً مهمين للاعبين مبدعين، بدلاً من الاستمرار في صرف مبالغ طائلة على استيراد لاعبين من الخارج، يمكن لهذه المبالغ أن تبني لنا مدارس تعليم حقيقية لتعليم أولادنا – ومستقبلاً إن شاء الله – وبناتنا مختلف المهارات الرياضية؛ كي نكون فعلاً شعباً بأجسام سليمة؟