تفاقمت أزمة الإسمنت أمس في مناطق عدة من المملكة، ونحت منحى آخر، ينبئ باستمرارها لفترة أخرى غير معلومة، بعد معلومات حصلت عليها «الشرق»، تفيد بأن وزارة التجارة ألزمت الموزعين في مكةالمكرمة ببيع الإسمنت بسعر 19 ريالاً للكيس، وهو مخالف للسعر الرسمي (13 ريالاً) الذي أقرته الوزارة نفسها قبل 29 سنة في جميع أنحاء المملكة، إلى جانب اتهام شركت أسمنت بالمحاباة لنقاط توزيع بعينها على حساب نقاط أخرى. وبلغت الأزمة ذروتها في الطائف، ورنية، والخرمة؛ إذ وصل سعر الكيس إلى ثلاثين ريالا في الطائف، و22 في الخرمة ورنية، فيما ظهرأكبر موقع للبيع «جبل النور» في مكة فارغا من أية كمية إسمنت. ورصدت جولة «الشرق» أكثر من عشرين شاحنة فارغة داخل أكبر مواقع البيع في مكة. وقال أحد المستهلكين، إنه تجول على معظم الأسواق فلم يجد سوى شاحنتين بهما نحو ثمانين كيساً، مضيفا أنه اشترى إسمنت شركتي «اليمامة وصفوة» بسعر عشرين ريالاً للكيس. وعبر أحد الباعة عن تذمره بسبب توقف شاحنته المخصصة للبيع دون عمل، مرجعا السبب إلى رفض إسمنت نجران البيع خارج المنطقة. وأفاد بائع آخر أنهم ملتزمون بأسعار التجارة البالغة 18.5 ريالا، مضافاً إليه نصف ريال للتحميل، ليصبح سعر الكيس 19 ريالاً، وهو الأمر الذي أغضب مستهلكين، رأوا فيه مؤشراً لاستمرار الأزمة، أو بداية لرفع الأسعار الرسمية من 13 إلى 19 ريالاً. أفاد مصدرٌ في شرطة رنية، أن فرق البحث والتحرّي تتابع أية تجاوزات في السوق بعد ورود شكاوى عِدة تتهم عمالة وافدة بالتلاعب في الأسعار، ما دعا الشُرطة لاستدعاء هذه العمالة، وأخذ تعهّدات عليها بعدم التلاعب في الأسعار، وعدم شِراء الإسمنت من المُورّدين واحتكاره. وقال مدير فرع وزارة التجارة في الطائف مسعود القثامي: إن إدارته تراقب عمليات البيع من خلال مراقبين يتواجدون في السوق. ورفض القثامي التعليق على أسباب الأزمة، مكتفيا بالقول ل»الشرق» إن «الوزارة تمنع مديري الفروع من التصريح، وعليكم الاتصال بوكيل الوزارة». وبدت أسواق محافظة الخرمة للأسبوع الثاني على التوالي خالية من الإسمنت، ما أدى إلى توّقف البناء، إذ قفز سعر الكيس إلى 22 ريالاً. وقال المواطن فهيد السبيعي: إنه بحث كثيراً عن الإسمنت في المحافظة إلا أنه لم يعثرعلى أية كمية بعد، مضيفا أن البعض يقوم بتخزين الكميّات لاحتكاره واستغلال الأزمة في رفع السعر. وأبلغ مصدرٌ في بلدية الخرمة «الشرق»، أن عدم وجود فرع للتجارة أسند مهمة متابعة أداء السوق ورصد المتلاعبين به للبلدية والمحافظة، مُشيراً إلى أن المواطنين تقدّموا بعِدة شكاوى من احتكار الكميّات والتلاعب بها، مؤكداً أن العقوبات ستلحق كل المخالفين والمتلاعبين. وأضاف فيصل الثقفي، أن البعض يتعمد إخفاء عدد من الشاحنات ليقل العرض ويرتفع السعر، وبالتالي يمارسون البيع في السوق السوداء، وناشد الجهات المسؤولة تشديد الرقابة على عمليات البيع والتشهير بالمخالفين كخطوة نحو حل الأزمة من جانبه. دخلت الأزمة في الطائف أمس، أسبوعها الثاني؛ إذ شهدت مواقع البيع الرسمية شحّاً في المعروض وتباينا في الأسعار، ووصل سعرالكيس إلى 25 ريالا، رغم تواجد مراقبي فرع التجارة في موقع البيع، ورصدت الجهات الأمنية عمليات بيع خارج السوق بأسعار وصلت إلى ثلاثين ريالاً. وناشد عدد من المستهلكين وزارة التجارة بالتدخل لحل الأزمة المفتعلة -على حد وصفهم- بتخصيص سوق رئيس للبيع ومنع السماسرة من استغلال السوق ورفع الأسعار. وحمل فوازالغامدي العمالة الوافدة مسؤولية رفع الأسعار والتلاعب فيها دون رقيب، مؤكدا أن أحد هؤلاء ساومه بتأمين مائتي كيس بسعر ثلاثين ريالاً على أن يستلمها خارج موقع السوق حيث تقام سوق سوداء في الخفاء . أكد رئيس لجنة المقاولين في جدة عبدالله رضوان أن شركة أرامكو مطالبة بتوفير الوقود لمصانع الإسمنت التي أنشأت خطوط إنتاج جديدة، لمواجهة الطلب المرتفع حاليا على الإسمنت. وأضاف أن «من أسباب أزمة الإسمنت الحالية سوء التوزيع الجغرافي لمصانع الإسمنت فمنطقة مكةالمكرمة لا يتواجد بها سوى ثلاثة مصانع إسمنت منتجة فقط في ظل المشاريع الكبيرة التي تشهدها المنطقة»، مضيفا أن «هذا العدد غير كاف في منطقة بحجم منطقة مكة». وأوضح رضوان أن «الطاقة الإنتاجية الحالية لمصانع الإسمنت في المملكة تصل إلى 52 مليون طن سنويا، مبيناً أن الحاجة الفعلية للإسمنت في المملكة لا يتجاوز 35 مليون طن سنويا، مما يؤكد أن هذه الأزمة لا تتعلق بالقدرة الانتاجية للمصانع، إذ تكمن المشكلة في تخزين المنتج ولاحتكاره». وأوضحت مصادر خاصة أن بعض شركات الأسمنت لها دور في تفاقم الأزمة، كونها تفضل نقاط توزيع لها على أخرى، موضحة أن إنتاج بعض المصانع لا يكفي احتياجات السوق المحلي. وذكر مصدر مطلع في شركة أسمنت تبوك أن إنتاج إسمنت تبوك يغطي فقط 40% من احتياج المنطقة، مضيفا أن المنطقة تعاني شُحّا في المعروض يصل إلى 60%. وأضاف المصدر أن الشركة واجهت طلبا متزايدا على الإسمنت منذ بداية الأزمة. لافتا إلى أن أكثر المحافظات طلبا للإسمنت جدة؛ حيث إن أغلب العملاء القادمين من خارج المنطقة غالبيتهم من جدة؛ نتيجة المشروعات الكبيرة في المحافظة والتي تعتمد بشكل كبير على الإسمنت. وبيَّن المصدر أن مشروعات درء السيول التي تنفذها الحكومة في المناطق وخاصة في منطقة مكةالمكرمة والجنوب كان لها دور كبير في ظهور الأزمة، مبينا أن هذا النوعية من المشروعات تستهلك كمية كبيرة جدا من الإسمنت، حيث يصل احتياج إنشاء عبارة واحدة للسيول ما يقارب مائة ألف طن من الإسمنت. وأشار المصدر إلى أن انتظار العملاء للحصول على إسمنت تبوك يصل إلى فترة تترواح من 10 إلى 15 يوما، مشيرا إلى أنه يتم منح الإسمنت للعملاء فقط ممن لديهم حساب بحصة تقدر بسبع شاحنات نقل أسبوعيا قبل الأزمة. وأوضح المصدر أن فتح حسابات العملاء الجدد مقفل منذ ستين يوما تقريبا نتيجة الطلب الكبير على الإسمنت، وقال إنه من المتوقع استمرار الإقفال إلى حين استقرار السوق. من جانبه قال المدير العام في شركة إسمنت الشرقية الدكتور زامل المقرن ل»الشرق»: إنه لا يوجد فائض في الإسمنت حاليا في المنطقة الشرقية نتيجة ارتفاع الطلب، موضحا أن المصنع يقوم ببيع الإسمنت للعملاء الذين يتوافدون عليه بشكل طبيعي. وأضاف أن طاقة الإنتاج اليومي تتجاوز 1.5 ألف طن من الإسمنت، وأن هناك عملاء قادمون من خارج المنطقة للحصول على إسمنت؛ حيث يتم منح كل من يأتي للمصنع.