حين أُهملت القصة القصيرة من سياق الاهتمام النقدي والبحثي من قِبل المواقع المعرفية كالجامعات السعودية أو المؤسسات الثقافية كالأندية الأدبية، والأخيرة اهتمت بالرواية والشعر، كان لابد من الالتفات إلى القصة القصيرة بوصفها جنساً أدبياً راقياً ومعطى معرفياً مؤثراً، حيث تحكي رؤية وفكراً وجماليات أدبية يقدمها القاص في قالب إبداعي مستخدماً طاقات اللغة ودلالاتها (الحقيقة، الترادف، الإيجاز، التجانس، المقابلة، الإيقاع الداخلي، التجسيد، التجريد) وغيرها من المفارقات والصور والتعبيرات الفنية، فضلاً عن أهميتها الثقافية والإثرائية والمعرفية، نقول حين أُهملت جاء من يرفع شأنها ويخصص لها ملتقى علمياً، إدراكاً بأهميتها ودورها الإيجابي في إنماء الوعي المجتمعي، وذلك برصد تجارب المبدعين ومناقشة تجاربهم القصصية وإبراز دورهم الكبير للنهوض بالقصة القصيرة كتابة ونشراً، مع تتبع حركتها في الصحافة الأدبية والمناهج التعليمية والكتب النقدية. لذا يُستحسن الإشادة بما يقوم به القائمون على كرسي الأدب السعودي في جامعة الملك سعود، حيث خصصوا ملتقى علمياً عن القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً قُبيل أيام قلائل شارك فيه نخبة من المتخصصين والباحثين والأكاديميين، حيث طرحوا رؤاهم ودراساتهم وأبحاثهم عن هذين الجنسين الأدبيين. والقصة القصيرة جداً تميزت عن غيرها بالانتشار والتفاعل عبر فضاء التواصل، الذي أشار إليه أحد الباحثين متكئاً على دراسة تتبعية لها، واصفاً التواصل التقني بأنه أداة من أدوات البناء الفني، مما انعكس أثره على اللغة والأسلوب والحبكة والشخوص والزمكان، خصوصاً على شبكتي (فيسبوك وتويتر). ويزيد من قوة ومدماك القصة القصيرة أن خُصصت لها هذا العام جائزة نوبل في الأدب، حيث مُنحت الجائزة ل(أليس مونرو) الكاتبة الكندية سيدة فن الأقصوصة الأدبي المعاصر، التي تتميز قصصها بحضور الراوي في توضيح الأحداث والمعاني التي تحملها البنية الأساسية وتتناول الحب والصراع والحياة في الريف، مما يؤكد اهتمام المؤسسات العلمية العالمية بالقصة. وكان كرسي الأدب السعودي محقاً في تنظيم ملتقى القصة الذي جمع نخبة تناقشوا وتحاورا، وكل ذلك من أجل مصلحة القصة أولاً ومصلحة الثقافة بشكل عام. ولم يقف الكرسي عند هذا الحد، بل أصدر ثلاثين كتاباً متنوعاً في أقل من عامين، شملت صنوف الأدب والنقد والثقافة، إلى جانب تنظيم اللقاءات والندوات العلمية، مما يؤكد أنه قادر على تحقيق رؤيته بأن يصبح مركزاً بحثياً وطنياً لمنظومة الأدب السعودي ودراساته وإيصال رسالته في تهيئة بنية علمية وبحثية واستشارية لدراسات الأدب السعودي، وتعزيز التواصل والشراكة بين الجامعات والمؤسسات العلمية والأكاديمية والثقافية. ويأتي ملتقى القصة القصيرة متساوقاً مع واحد من أهدافه وهو التعريف بالأدب السعودي وتوثيق الدراسات والأبحاث التي تُعنى به محلياً وإقليمياً وعالمياً سواء كان ورقياً أو إلكترونياً، ومن يطّلع على كامل أهداف الكرسي يشعر بالبهجة كون القائمين عليه لديهم الرؤية الواعية لخدمة الأدب والثقافة في بلادنا. ويتطلع عميد كلية الآداب في جامعة الملك سعود المشرف على كرسي الأدب السعودي الدكتور صالح بن معيض الغامدي، وأعضاء اللجنة، إلى عقد ملتقى خاص بالقصة القصيرة جداً في قادم الأيام، واختيار شخصية مبدعة لتكريمه، مع طباعة النصوص الإبداعية وإخراجها من المحلي إلى العالمي بترجمة القصص والروايات إلى اللغات العالمية، وتخصيص جلسات علمية لقراءة النصوص الإبداعية، وهنا يمكن القول بأن كرسي الأدب السعودي كرّس اهتمامه بما أهملته الأندية الأدبية، لذا يستحق القائمون على هذا الملتقى الإشادة بعملهم ومنجزهم، وتصل الإشادة للقاص والروائي خالد اليوسف صاحب الفكرة الألمعية المتعلقة بتنظيم ملتقى القصة القصيرة. ويتفق كثيرون على أن القصة هي مجموعة من الأحداث تتعلق بشخصيات اجتماعية متباينة في أسلوب حياتها وطريقة تفكيرها وردود فعلها شريطة ربط العلاقات وتشابكها بالحدث مع ترك الخطاب السردي مفتوحاً قابلاً لتعدد القراءات والتأويل بحسب التباين الفكري والمخزون المعرفي، فهي -أي القصة- سلافة لتجارب حياتية من الواقع مع مزيج من الخيال لتصبح نابضة مرتوية متدفقة حتى لو كانت قصيرة جداً.