في الطريق إلى محافظة المجمعة، شاهدت حادثاً على الاتجاه المعاكس من الطريق السريع، كان الحادث مأساوياً فأحد ضحاياه ملقىً بعيداً بأمتارٍعن السيارة المنقلبة، وفي المقعد الخلفي يلوّح مصابٌ بيده طالباً النجدة، والدماء المختلطة بالرمل المجاورللطريق كفيلةٌ ببث الحزن في أقسى الناس قلباً، ورغم ذلك يظهر في المشهد مسافرٌ يحمل جوّاله ليصوّر الحادث والمصابين، متنقلاً بينهم كأنه مراسلٌ حربي تطالبه قناته الفضائية بأحدث الأخبار المأساوية. أصبحت أصابع الشباب من مثل هذا المراسل تتجه لا إرادياً وقت الحوادث إلى زرالكاميرا في الجوّال بدل أرقام الطوارئ، فهو يريد تصوير الحدث ساخنا حتى يشعر بلذة السبق الإعلامي والخبر الحصري؛ أما المصابون وإغاثتهم وكرامتهم وخصوصيتهم المهدرة فهذه آخر اهتماماته. لووضع نفسه موضع المصابين لاحتقر فعلته ولسارع بالمساعدة قدر استطاعته، وحافظ على خصوصية المصابين بعدم تصويرهم وهم يئنون أو وهم غارقون في دمائهم. أمرٌ مؤسف أن يصاحب التطور التقني ضمورٌ في الرقي الأخلاقي، وأن تستخدم كاميرات الهواتف النقالة لفضح الناس واختراق خصوصياتهم بدل الأغراض المفيدة التي ابتكرت من أجلها. صوّرت لنا مقاطع (يوتيوبية) كثيرة العري الأخلاقي لملتقطيها بهواتفهم، وأنذرتنا بانقراض المروءة والشهامة واحترام الآخرين، هذه المقاطع تصرخ في مجتمعنا بأن يستيقظ قبل فوات الأوان، وأن يراجع سياساته التربوية والتعليمية والثقافية ليعود لأخلاقياته الأصيلة التي أسسها الإسلام وضيّعها المسلمون المتأخرون. سيحسن مستخدمو اليوتيوب صنعاً لو تعاونوا على مكافحة الظاهرة ب (الديسلايك) والإبلاغ عن المقاطع المسيئة حتى يتوقف مسيئو استخدام كاميرات الجوالات جراء احتقار المجتمع لهم.