التاريخ يكتبه الأقوياء، فمثلا في معركة (بالاكلافا) في (القرم) عام 1854م كان الأتراك هم الذين يقاومون الروس بأدوات بدائية ومن انهزم كانت الخيالة البريطانية ولكن ما نشر في تلك الأيام قبل 150 سنة أن التركي حمار والبريطاني أسد مغوار، وبعد قرن ونصف القرن يعاد الاعتبار للأتراك، ولكن من يسمع أو يستفيد في غابة يحكمها الأقوياء ويسودها الجنون؟! جاء في كتاب (أفضل الخرافات) ل (جان لا فونتين 1621 1695م) عن اعترافات الأسد والحمار عندما ضرب الطاعون الغابة، أن الجميع وقف يتضرع إلى الله أن يرفع عنهم البلاء، فقال الأسد يجب أن نقوم بالاعتراف بذنوبنا فنقدم الأضاحي، وسأكون أول المعترفين: أعترف لكم أنني لم أقاوم شهيتي فأكلت كثيرا من الخرفان، مع أنها لم تؤذني قط، بل لقد عرف عني أنني كنت أتذوق لحوم الرعاة وكأنها فطيرة محشوة؛ فإذا دعت الحاجة فأنا مستعد للموت ولكنني أظن أن على الآخرين أيضاً أن يعترفوا بذنوبهم، همهم الجميع: نعم.. نعم. قفز الثعلب وقال: كيف تقول ذلك يا ملك الغابة؟ إنك يا سيدي ملك جيد وإن وساوسك هذه لمرهفة الإحساس أكثر مما ينبغي، ولعمري إن الخراف قطعان نجسة فظة تستحق أن تفترسها ومعها الرعيان. هكذا تكلم الثعلب فضجت الغابة بالهتافات بحياة ملك الغابة، ولم يجرؤ أحد على مراجعة ذنوب النمر والدب والنسر والثعلب والضباع، فقد اتفق الجميع أن كلاً منها قديس لا يلمس، وهنا وقف الحمار فقال يا قوم أريد أن أعترف: لقد مررت بجانب دير فأعجبني اخضرار العشب فقضمت منها قضمة بعرض لساني وملء فمي وكذلك سولت لي نفسي.. بصراحة.. وهنا ارتفعت أصوات الاستهجان تندد بالحمار المجرم وشهد (ذئب) و(ثعلب) عندهما علم من الكتاب فصاحا: أيها الحمار اللعين لا تتابع فقد عرفنا مصدر البلاء. وشهدت بقية حيوانات الغابة أن الحمار فعلاً منكر الصوت قبيح الرائحة متقرح الجلد فظ الأخلاق بليد الفهم لا يحسن التصرف، فحكموا عليه بأنه لا يصلح لشيء سوى أن يكون طعاما للمشنقة، فكم هو وضيع بغيض الاستيلاء على عشب الآخرين! ولن يكفر عن هذا الجرم الشنيع سوى موته، فاقتيد الحمار للموت وهو ينهق بأعلى صوته دون فائدة تذكر. ثم إن حيوانات الغابة وقفت إجلالا للأسد دقيقة صمت فقد حلت المشكلة. وقصة أمريكا والعالم اليوم مسرحية مسلية من هذا النوع.