ما أن بدأ تطبيق قرار تأنيث محال بيع المستلزمات النسائية، حتى تسابقت عديد من الفتيات على وظائف «كاشيرات» بعد أن استبشرن خيرًا بانتهاء معاناتهن من البطالة، ولم يلبثن حتى ظهرت لهن معاناة أصعب جعلتهن يتساءلن، هل هذه الوظيفة تليق بهن؟، وهل سيقبلن نظرة المجتمع؟ وكيف يستطعن تقبل الإهانات والمعاكسات والتحرشات من أجل مبالغ زهيدة؟.. كل هذه الأسئلة وغيرها نقلتها موظفات (كاشيرات) التقتهن «الشرق» وعبرن فيها عن معاناتهن في عملهن مؤكدات أن دخلهن الشهري «زهيد» ولا يتناسب مع ما يقمن به، وما يواجهنه، مشيرات إلى أن هذا العمل لا يناسب المرأة السعودية مطلقًا وأنهن يتعرضن للمعاكسات والإهانات، مبينات أن وزارة العمل لم تحسم الأمر فيما يتعلق بالإدارة الرجالية فمازال مدير المحل في الغالب موجودا معهن. وطالبن أصحاب الشركات والمحلات بتعيين محصلات للبيع ومشرفات أقسام نسائية لإدارة المحلات النسائية. قال المتحدث الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور تركي الشليل «تضمنت مذكرة التفاهم الموقعة بين الهيئة ووزارة العمل الضوابط المناسبة لمعالجة ما قد يحدث من إشكالات، مع مراعاة مرجعية الجهتين في التعامل معها. فقضايا التحرش أو ما يتعلق بمخالفة الآداب الشرعية فإن الهيئة هي المرجع في ذلك؛ وبالتالي يمكن لمن تعرضت لشيء من ذلك أن تتقدم بشكوى رسمية لأقرب مركز هيئة لها وسيقوم المركز بما يلزم حيالها وفق ما لديهم من أنظمة وتعليمات. وأضاف «أما ما يتعلق بالتحقيق مع المتهم وتحديد العقوبة فهي من اختصاص جهات أخرى، والهيئة ينتهي دورها بعد الاستيقاف والإحالة». وأوضح المحامي والمستشار القانوني عبدالعزيز الخريجي أن النظام الأساسي للحكم الذي ينظم سلطات الدولة وما عليها من واجبات وحقوق تجاه المواطنين، نص في مادته (67) على: « تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح، فيما يحقق المصلحة أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة، وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية»، ويتضح من ذلك بأن أي (قانون) تنظيم أو لائحة أو قرار يجب أن لا يتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية، وعليه فعندما نطلق مصطلحا قانونيا لأمر يبحث أو يكون واقعا في السعودية فهو شامل وجزء لا يتجزأ منه توافقه مع الشريعة الإسلامية. وأضاف «الرأي القانوني في عمل السعودية محاسبة مبيعات، لا ينظر لمسمى العمل بل ينظر لطبيعته وواقعه من بيئة وما يحيط بظروف العمل، فالحاكم لعمل النساء في القطاع الخاص هو نظام العمل، والذي نص في مادته الرابعة على:»يجب على صاحب العمل والعامل عند تطبيق أحكام هذا النظام الالتزام بمقتضيات أحكام الشريعة الإسلامية.» وزاد الخريجي كما أفُرِدَ في نظام العمل أحكام خاصة لعمل النساء، لما لها من أهمية وطبيعة خاصة وذلك في الباب التاسع، إذ نصت مادته (149) على:»مع مراعاة ما ورد في المادة الرابعة من هذا النظام تعمل المرأة في كل المجالات التي تتفق مع طبيعتها، ويحظر تشغيلها في الأعمال الخطرة أو الصناعات الضارة، ويحدد الوزير بقرار منه المهن والأعمال التي تعد ضارة بالصحة أو من شأنها أن تعرض النساء لأخطار محددة مما يجب معه حظر عملهن فيها أو تقييده بشروط خاصة. «وقال الخريجي من النصوص السابقة يتضح بأن عمل المرأة في السعودية أياً كانت جنسيتها مسموح في جميع المجالات شريطة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها وأن يتفق العمل مع طبيعة المرأة، ومن ثم لا عبرة للمسمى الوظيفي في عمل المرأة وبالتالي فعمل المرأة كاشيرة أو محاسبة مبيعات أو أي وظيفة أخرى متوافق مع القانون متى توافرت الشروط الشرعية وعنصر الملاءمة. وعن عيوب القرار قال الخريجي»أصدرت وزارة العمل قرارا وزاريا رقم ( 1/1/3729/ع) وتاريخ 28/08/1433ه لتنظيم عمل المرأة السعودية في محاسبة المبيعات في محلات التجزئة، ويسري مفعوله من تاريخ صدوره. والقرار تضمن أحد عشر بنداً، عُرف فيه المحل والقسم وضوابط على صاحب العمل الالتزام بها ومكان عمل المرأة وطبيعته، وتضمن القرار في بنده الثالث والرابع وجوب تطبيق البندين الثالث والرابع الواردة في قرار وزارة العمل الوزاري رقم (1/1/2473/ع) وتاريخ 10/08/1432ه الخاص بتنظيم عمل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية. وأضاف «قرار تنظيم عمل المرأة في محاسبة المبيعات للمحلات التجارية أو الأسواق المفتوحة للعامة أو القائمة بذاتها، أوجب توظيف ثلاث عاملات في الوردية الواحدة على الأقل، وأقر بالعمل النسائي في الأقسام الخاصة لتقديم بضائع متخصصة داخل المحل (كقسم المكياج مثلاً)، كما أن القرار أوجب على صاحب العمل تطبيق البند الثالث من قرار وزارة العمل لتنظيم عمل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية الذي بين إمكانية تعيين المرأة في المحلات ذات الأقسام المتعددة التي يجوز أن يعمل بها الذكور والإناث، وفقاً لنص الفقرة (2) من البند الثالث: « يحظر على صاحب العمل توظيف عاملين وعاملات معاً في محل واحد، ويستثنى من ذلك المحلات متعددة الأقسام التي يجوز لها توظيف العاملين والعاملات متى كانوا في أقسام مختلفة، ويجب في هذه الحالة ألا يقل عدد العاملات في المحل عن ثلاث عاملات في الوردية الواحدة». وتابع الخريجي «يتضح مما سبق أن القرار من مضمون نصوصه يرتب ويؤدي للاختلاط بين العاملين لا محالة في ذلك، فضلاً عن مرتادي الأسواق، ومن ثم عدم قانونية القرار في كل ما يتعلق بعمل المرأة في المحلات أو الأسواق التي لا تكون مقصورة وخاصة للنساء. وهو ما أكدته المحكمة الإدارية «ديوان المظالم» إذ أصدرت في فترة سابقة حكماً ابتدائيا – لا يزال تحت نظر محكمة الاستئناف بإلغاء بعض بنود قرار تنظيم عمل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية منها البند الثالث الذي أوجب في قرار تنظيم عمل المرأة في محاسبة المبيعات في محلات التجزئة العمل بمضمونه، وذلك لمخالفة قرار وزارة العمل للشريعة الإسلامية الحاكمة لقرارات السلطات التنظيمية والتنفيذية، هذا فضلاً عن مخالفة تعميم مجلس الوزراء في رقم 759/8 بتاريخ 5/10/1421ه بشأن المنع التام من تولية المرأة أي عمل يؤدي إلى اختلاطها بالرجال ومحاسبة من يخالف ذلك، وكذلك قرارات هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء… مؤكداً أن قرار تنظيم عمل المرأة في محاسبة المبيعات (كاشيرة) لم يرتق ليحقق أدنى المتطلبات الشرعية، ولذلك فهو قرار اعترته عيوب لتضمنه بنودا غير قانونية. وبين الخريجي أن وزارة العمل تختص بتنظيم العلاقة العمالية بين صاحب العمل والعامل وتنظيم بيئة وسوق العمل، ولا تسأل عمّا يلحق الموظفة من إيذاء أو غيره من الغير أو صاحب العمل ولا يوجد نص قانوني لذلك. فإن كان التصرف السلبي صادر من صاحب العمل أو أحد المديرين أو المشرفين على الموظفة، فيحق للموظفة التقدم بشكوى للتفتيش العمالي لدى وزارة العمل أو بدعوى ضد صاحب العمل أمام الهيئة العمالية لتسوية الخلافات العمالية. والأنجح والأصوب في ذلك برأينا أن تتجه للمحكمة الجزائية للمطالبة بحقها الخاص تجاه المتسبب أو المرتكب أو المباشر بالإيذاء بدعوى قضائية. وعن مدى أحقية مطالبة وزارة العمل بفرض إدارة نسائية كاملة لتلافي المعاكسات من قبل الإدارة الرجالية قال: لا يمكن تحقيق هذا الطلب لصعوبته في الناحية العملية والواقعية وعدم وجود نص نظامي لا سميا إن كانت ملكية المنشأة لرجال وهو الغالب الأعم، إلا أنه تطالب وزارة العمل بتطبيق الضوابط والشروط التي تقررت لعمل المرأة عند تراخي وإخلال صاحب العمل في تطبيقها. وعن أحقية محاكمة الوزارة في حالة تجاهل هذه المطالبة قال: «إن كان قد رُفع لوزارة العمل شكوى للتفتيش العمالي نظراً لتراخي صاحب العمل في تطبيق شروط توظيف النساء وتجاهلت الوزارة الشكوى، فيصح مطالبة الوزارة، وللمتضررة الحق بالمطالبة بالتعويض وفقاً لما يعرض أمام القضاء». وفيما يخص الإهانات أكد بأنه متى ما ثبتت الإهانات فنفرق بين الإدارة والمتسوقين، فالإدارة يصح مخاصمتها أمام القضاء العمالي (الهيئة تسوية الخلافات العمالية) وتكون دعواها ضد المنشأة أو صاحب العمل تكييفاً على أنها تشغيل العاملة سخرة وهي من التصرفات التي منعها نظام العمل، وعقوبتها تعويضية مالية لم يحددها نظام العمل فتكون وفقاً لتقدير الهيئة وما يظهر لها في الدعوى. ويمكن للموظفة مخاصمة الإدارة أو المتسوق المعلوم شخصه مباشرة أمام المحكمة الجزائية وتطبق عقوبة تعزيرية وفقاً لاجتهاد القاضي فضلاً عن العقوبة النظامية المقررة في نظام الحماية من الإيذاء التي تقررت في المادة 13 بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة وبغرامة مالية لا تقل عن خمسة آلاف ريال ولا تزيد عن خمسين ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين ويجوز للقاضي الاستعاضة عن عقوبة السجن بعقوبة بديلة، وذلك في الحق العام. أما الحق الخاص للموظفة فوفقاً لما تقدمه وتطالب به المتضررة أمام المحكمة، لعدم وجود نصوص قانونية لأحكام التعويض. وأشار إلى أن المعاكسات والتحرش لا توجد لهما عقوبات مقننة نظاماً تحديداً لهذه الأفعال، إلا أنها وفقاً للشريعة الإسلامية عقوبتها تعزيرية، فقد تكون العقوبة السجن أو الجلد أو التشهير أو تطبيق عقوبة بديلة معنوية أو باجتماع عقوبيتن أو أكثر وفقاً لتقدير القاضي لواقع الدعوى، بالإضافة لإمكانية تطبيق القاضي العقوبة المقررة في نظام الحماية من الإيذاء، فالمعاكسة أو التحرش من أنواع الإيذاء المعنوي وقد يشتمل على تعدٍ جسدي. واختتم قائلاً «لابد أن يكون عمل المرأة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وإلغاء قرار تنظيم عمل المرأة في الأسواق أو المحلات العامة، وقصره في المراكز والأسواق الخاصة بالنساء أو داخل الأقسام النسائية المعزولة في المحلات. و قال الشيخ الدكتور أحمد الغامدي «عمل المرأة في المحيط العام دون خلوة لا حرج فيه سواء كان عملها كاشيرة أوغير ذلك ولا أعتقد أنه يجب أن يتوفر هذا العمل أكثر من كونه في محيط عام لكن لا يمنع هذا من وضع الاحتياطات اللازمة لضبط سلوكيات العموم رجالا ونساء جمهورا وعاملين وذلك بوضع كاميرات مراقبة تحفظ واقع العمل والمسؤولين عنه لمعرفة حقيقة الحال متى لزم مع وضع رقابة أمنية من النساء والرجال في المواقع اللازمة ومنع تعامل المسؤول عن عمل المرأة بانفراد ولا شك أن تعرض الموظفة الكاشيرة لأي نوع من الإيذاء النفسي أو اللفظي أمر محرم يوجب الشرع تعزير فاعله ومعاقبته، أما إلزام أصحاب الأعمال بتخصيص إدارة نسائية تشرف على عمل النساء فأراه تناقضا مع القول بإباحة عمل المرأة في المحيط العام لكن إتاحة ذلك دون إلزام حسن.