أكد ميثاق التضامن الإسلامي الذي أقره المشاركون في المؤتمر العالمي الثاني "العالم الإسلامي .. المشكلات والحلول" الذي اختتم أعماله اليوم بمقر رابطة العالم الإسلامي بمكةالمكرمة أن التضامن بين المسلمين في هذا العصر ضرورة لضمان الوجود، وتحقيق الشهود الحضاري، الذي تأخرت الأمة عنه كثيراً، فالعالم حولنا يتكتل، ولا يؤثر فيه إلا الأقوياء المتعاضدون . وجاء في الميثاق الصادر عن المؤتمر أنه من المعلوم من الدين بالضرورة أهمية التضامن بين المسلمين، آحاداً ومجتمعات ودولاً، فالأمة جسد واحد تتعاون أعضاؤه فيما يجلب له الخير ويدفع عنه الشر، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وأكد أنه لابد من خطط وبرامج ومشروعات تجعل من التضامن الإسلامي واقعاً لا حلماً، وحقيقة ملموسة لا أمنية مرجوة، فقد آن الأوان لتترجم القيادات السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية في كل الدول الإسلامية الأمنية باللحمة، والاجتماع إلى واقع يرضي ربها ويسعد شعوبها، والبحث عن مخرج من حالة شتات المسلمين أمر يقع على كاهل قادة الأمة وعلمائها ومفكريها. وأوضح أن أسباب وحدة الأمة الإسلامية متوفرة، والحاجة إليها ملحة، وضمانات النجاح موجودة، فالهوية بيِّنة، والموارد وافرة، والطاقات خلاقة وأن الاكتفاء بتبرير الفشل بما ينسجه الأعداء من مؤامرات، أمر غير مقنع، وقد آن الأوان للعقول أن تجتهد، وللطاقات أن تجتمع، وللمداد أن يسيل، وللصفوف أن تتراص، وللجهود أن تحشد من أجل تحقيق التضامن الإسلامي المنشود. وبين الميثاق أن الرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله للمؤتمر العالمي الثاني (العالم الإسلامي .. المشكلات والحلول)، والذي عقدته رابطة العالم الإسلامي عن التضامن الإسلامي في مكةالمكرمة، وبجوار بيت الله الحرام، ودعت إليه العلماء والدعاة ومسؤولي المنظمات الإسلامية؛ تجعل جهود المسلمين في التضامن أكثر جدوى، وأعظم أهمية، وأرجى تحققاً في ظل تلهف الأمة إلى حاضن لمشاريعها، وحادٍ لركبها في سبيل الالتئام والالتحام. وقال إن هذا المؤتمر تعبير عن الإرادة الحرة ، والنية الصادقة ، وعسى أن يثمر العمل المرجو والجهد المطلوب فيُترجم ما خُط في السطور واقعاً معيشا تتبوأ الأمة به مكانها الطبيعي بين الأمم وإن مكةالمكرمة بلد الله الحرام، ومهد نبي الله عليه الصلاة والسلام خير منطلق لهذه المشاريع النبيلة، والجهود الأصيلة التي تجمع الأمة وتقوي ساعدها، فهي مهبط الوحي ومحضن الرسالة. إن المؤتمر العالمي الثاني "العالم الإسلامي .. المشكلات والحلول" ، والذي خصص للتضامن الإسلامي، ليعلن هذا الميثاق " ميثاق التضامن الإسلامي " الذي يؤكد على ثوابت التضامن وأولوياته؛ بما يسهم في تثبيت المعتقد والوسطية وتعزيز فرص التنمية المستدامة، وينهض بالأمة ، ويعالج مشكلاتها، ويدفع الخطر عنها ولقد أجمع المؤتمرون على هذا الميثاق، ويعاهدون الله على العناية به، والسعي إلى تحقيق ما تضمنه، كل على قدر مسؤوليته وموقعه. وأوضح أن الأمة اليوم في حاجة ماسة إلى التضامن في كافة الجوانب، وذلك بسبب الضعف الذي شل حياة المسلمين في جوانب كثيرة، ولأن طاقات الأمة موزعة فيها، فلا تكاد تجد بلداً من بلاد المسلمين إلا وفيه طاقات معطلة تفتقر إلى إمكانات متوفرة في بلد آخر، فتوزيع هذه الطاقات على بلدان المسلمين يستدعي تضامن المسلمين، فلا سبيل لبلد أن ينهض وينطلق دون التعاون مع أشقائه المسلمين في البلاد الأخرى. وجاء في ميثاق التضامن الإسلامي أن التضامن المنشود له مستويان الأول: على مستوى الدول، والثاني: على مستوى الشعوب. ولكل واحد من هذين المستويين وسائله ومشكلاته وإن التأكيد والتقعيد لتضامن شعبي بين الأمة يسير موازياً للتضامن بين الدول كفيل بتعجيل خطوات الالتئام وإن التضامن بين المسلمين فريضة شرعية، وأبان الميثاق أن الواقع يدفع الأمة إلى الالتحام، والتنسيق التام، لأن الأهداف مشتركة، والمصير مشترك، والاستهداف للجميع، والتحديات ظلت ماثلة منذ زمن بعيد، ولم تحقق الجهود الفردية آمالاً ، ولا بلغت الأمة بجهد الآحاد غاية، ولا دفعت شراً ، بسبب التفرق وعدم التنسيق والتضامن فحتمية التضامن أمر يفرضه الواقع وتنصح به التجربة، وتدعو إليه المرحلة الحرجة التي تمر بها الأمة، في عالم يتضامن المتفرقون فيه والمتباينون ثقافة وديناً وعرقاً من أجل المصالح المشتركة. وأكد أن المرجع الأساس للأمة الإسلامية هو الوحي المتمثل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى منهاج أصحاب النبي الكرام، وفهم سلف الأمة، فعلى أساس هذه المرجعية الثابتة تنطلق الأمة في طريق النهضة والاتحاد، مستعينة بالله ، متمسكة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، نبراساً ينير الطريق ويهدي إلى سواء السبيل وقد قدم سلف الأمة الصالح النموذج الذي يحتذى في التعاضد والتناصر. وأوضح أن كلمة سلفنا الصالح من خير القرون اجتمعت على توحيد الله ، وإخلاص العبادة له ، وتوحدوا على كلمة جامعة وغاية واضحة وهدف نبيل، هو خدمة الدين وتبليغه للناس ، فكان لهم ما أرادوا، وأنجزوا هذه المهمة العظيمة في زمن يسير بما وفقهم الله تعالى له من التناصر والتضامن. وحال المسلمين اليوم لا يصلح إلا بما صلح به حال رعيلهم الأول وسلفهم الصالح، فيجعلوا من الوحي المعصوم مورداً ، ومن هدي السلف، وأسوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بياناً عملياً في مسيرتهم القاصدة إلى رضوان الله، وإعمار الحياة وفق شرع الله. ودعا إلى التقيد بالثوابت ورعاية المتغيرات حيث ينطلق التضامن بين المسلمين من مسلمات الأمة التي توافقت عليها، وتطلعاتها المشتركة التي تصبو إليها، وحاجاتها التي تلح عليها، وواقها المعاش الذي يجب تطويره، ومستقبلها المشرق الذي يجب العمل لتحقيقه ويجب على الأمة أن تسير في درب التضامن متجاوزة الخلافات، نابذة أسباب الفرقة والشتات، مؤمنة بأن ما يجمع الأمة أكثر مما يفرقها، وأن ما يوحدها أعظم مما يشتت شملها. وتسير الأمة في سبيل التضامن، متطلعة إلى المستقبل، مستصحبة الواقع، آخذة التحديات بعين الاعتبار، جاعلة من تنوعها مصدر إثراء وإغناء، معترفة بخصوصيات الشعوب المسلمة، وأولويات المجتمعات، وأنها تصب في الهم العام للأمة . وأكد الميثاق أن الأمة المسلمة في رحلة التضامن غير منكفئة على ذاتها، بل تستفيد من تجارب غيرها، تقبل من الآخر ما هو مفيد، متعاونة معه، ومسيرة التضامن بين المسلمين عريقة ضاربة، فهي ليست وليدة هذه الوثيقة، بل قطعت أشواطاً بتوفيق الله تعالى، وبجهد المخلصين من أبنائها، مما يوجب البناء على ما تم، وتطوير مشاريع التضامن المتعددة، وإنشاء المشاريع المكملة ، سعياً لتحقيق التضامن المنشود. وطالب التضامن الإسلامي المنشود بأن يستوعب تغيرات العصر، يثبت على الأصل، ويواكب العصر، ويستند إلى القديم الراسخ ويأخذ بالجديد النافع، لأن التزام الثوابت لا يعني الجمود والانكفاء، كما أن مواكبة العصر لا تعني الاستلاب مشيرا إلى انه في العصر الحاضر قامت كثير من التحالفات، وأشكال من التضامن بلغة عصرية، فلا مانع من أن يستفيد المسلمون من تجارب غيرهم، ويأخذوا الحكمة من سواهم، مع إضافة جهدهم، ووضع بصمتهم ومراعاة خصوصيتهم. كما دعا التضامن أن يكون على مختلف المستويات، وأن يشجع أي شكل من أشكال التضامن، ولو كان في نطاق محدود، إذا كان يصب في الغاية الكبرى، وهي تضامن الأمة ومن المستويات التي يجب تشجيع تضامنها التضامن القطري، وذلك بتشجيع الجمعيات التضامنية في الأقطار الإسلامية والتضامن اللساني، وذلك بتشجيع أهل كل لسان من الأمة على إنشاء الروابط التضامنية والتضامن الجغرافي، وذلك على أساس التقارب القطري، والحدود الجغرافية وتضامن الأمة، بربط التضامنات الصغيرة بالتضامنات الكبيرة، حتى لا تكون أشكال التضامن الصغرى خصماً للتضامن الأكبر، بل تكون رافدة له، معززة شأنه. فيما طالب الأمة أن تتعاون في كل حلف فضول في العالم، لأن رسالتها عالمية لا يحدها زمان ولا مكان،وهذه المستويات في التضامن لا تتعارض ولا تتقاطع، بل يكمل بعضها بعضاً، ويعزز بعضها الآخر، وليس التضامن على مستوى خصماً للتضامن في المستوى الآخر وهذه المستويات لا تستثنى غير المسلمين، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم عقد التحالفات على أساس القطر، كما في وثيقة المدينة، وعلى أساس المصالح المتبادلة، كما هو الحال في حلفه مع خزاعة، فلا مانع أن يتم التضامن على أساس النفع المتبادل أو الهدف المشترك أو الموقع الواحد أو الهم المتحد. وشدد الميثاق على أنه من الأهمية بمكان أن يكون البعد الشعبي حاضراً، فالمستويات المذكورة لا تعني القصور على الجهات الرسمية فحسب، بل على الشعوب، وهي المستفيد الأول من التضامن، فعليها أن تعقد تضامناً شعبياً في مختلف المستويات والمجالات. ودعا التضامن بين المسلمين أن يشمل مختلف نواحي الحياة، فالتضامن القاصر على جانب مهما كان مهماً يظل ناقصاً غير ملب لطموحات الأمة، فاقتصار التضامن على الجانب الاقتصادي وحده، أو الجانب السياسي وحده أمر لا يكفي، لأن الأمة تحتاج إلى نهضة شاملة، وهذا يقتضي تضامناً شاملاً. ولضمان هذه الشمولية لا بد من التأكيد على أهمية التكامل بين الجهد الرسمي والشعبي، من أجل تحقيق التضامن بين المسلمين، فإن التضامن الشامل يتطلب تكامل الجهود، وحشد الطاقات. وهذه الشمولية تقتضي تكاملاً، فإن طاقات الأمة موزعة فيها، فمتى تكاملت تلك الطاقات أثمرت تضامناً شاملاً، يحقق النماء المرجو في جوانب الحياة المختلفة وهذه الشمولية تقتضي استثمار الخبرات، وجذب العقول من داخل الأمة وخارجها، للمشاركة في مشروع التضامن النهضوي للأمة. وهذه الشمولية التضامنية تقتضي توافقاً في شتى المجالات، وهو ما لا يكاد يتوفر في أمة مثل أمة الإسلام، أو يتوفر في شعوب مثل الشعوب المسلمة، فالدين واحد، والنبي واحد، والقبلة واحدة، والثقافة متجانسة، والماضي مشترك، والحاضر مشترك ، والمستقبل مشترك . وأوضح أن التضامن الشامل يقتضي موارد متعددة، وهذا متوفر بحمد الله للأمة، فقد منّ الله على بلاد المسلمين بأسباب الرقي والنهضة من الموارد البشرية والطبعية ، والخيرات اللازمة للتطور الشامل وشمول التضامن يعني ألا يقتصر على الجانب المادي فحسب، بل لا بد أن يسع الجانب الثقافي والعقدي والأخلاقي والدعوي، وغيرها من الجوانب التي هي أولى بالتضامن في كثير من الأحيان من الجوانب المادية وهذا الشمول يقتضي الاستفادة من كل الطاقات، وإشراك جميع الأمة، كل حسب طاقته في مسيرة التضامن الأممي، وهذا دور القيادة الرشيدة التي تفجر الطاقات وتستغل الإمكانات وتوجهها. وأكد الميثاق أن الأمة تعيش حالة من الضعف، ومن أعظم أشكاله وهن العقيدة، فكثير من التصورات الباطلة والأفكار الفاسدة شوشت على بعض المسلمين عقيدتهم، وحالة الغياب الحضاري أفقدت بعض المسلمين الاعتزاز بإسلامهم، وقد أفرز هذا الوهن العقدي أنماطاً من الاختلالات في الفكر والسلوك . كما شدد على أن أهمية العقيدة تكمن في كونها الأساس الذي يقوم عليه الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم بنى دعوته ودولته وتضامن أتباعه على العقيدة الصحيحة، فهي الأساس والقاعدة التي يجب أن تكون قوية ليقوم عليها ساق التضامن بين أفراد الأمة، ولذا من أهم ما يجب أن تتضافر من أجله الجهود تقوية العقيدة، وترسيخ ثوابتها ومن وسائل ذلك -تجلية العقيدة الإسلامية في المناهج الدراسية، وفقاً لما في كتاب الله ، وسنة رسوله، وفهم سلف الأمة الصالح لهما وتجنيب الأمة التعقيدات الواردة في العديد من كتب المتكلمين التي جعلت من العقيدة نظرية فلسفية تفرغ مضمونها وتُعَسِر فهمها وجعل العقيدة قاعدة التقاء بين المسلمين ، وليست عامل فرقة بينهم، وذلك بإبراز الأمور الكلية التي أجمع عليها المسلمون وبث روح الاعتزاز بالعقيدة الإسلامية في شباب الأمة والتصدي لمحاولات التوهين والتشويه المتكررة لمقدسات المسلمين وحرمات دينهم وتسخير الإعلام من أجل إيصال المعتقد الإسلامي الصحيح لنفوس المسلمين، وإنتاج البرامج التي تحقق هذا الهدف والانتباه إلى محاولات إضعاف العقيدة عند النشء عبر الأفكار الدخيلة التي تتناقلها الوسائط الإعلامية المختلفة . وتناول الميثاق إلى أن من أهم ما تعانيه الأمة الإسلامية اليوم في العديد من دولها ومجتمعاتها غياب الحكم الراشد، والممارسة الحكيمة للسياسة، وجعل الشريعة أساساً للحكم، وهذه المعاناة هي التي أثارت براكين الغضب في العديد من أرجاء العالم الإسلامي. وأوضح أن المخرج من هذا المأزق يكون بالتضامن بين العلماء والقادة من أجل إبراز الشريعة الإسلامية في ثوب يتناسب مع العصر ويلبي متطلبات المرحلة والعناية بالمشاركة في اتخاذ القرار، وذلك عبر مجالس الشورى، وغيرها من أوعية تداول الآراء وكفالة حق التعبير، وإبداء الآراء وفق ضوابط الشريعة، ودون تضييقٍ أو تحجير أو كبت وعدم التمييز بين أفراد الشعب على أساس عرقي أو مذهبي أو لون أو لغة، والعمل على إشاعة روح المودة بين مكونات المجتمع المسلم، ورفض التعصب وإشاعة الكراهية والحوار بين الراعي والرعية، والتواصل الحميم بين المسؤول والمواطن بما يبني جسور الثقة ويقوي مبدأ الشورى و محاربة الفساد، ووضع الأنظمة واللوائح الكفيلة بذلك، وترشيد الإنفاق، والمراجعة المستمرة للمال العام بما يضمن النزاهة والشفافية. وكشف الميثاق أن من أهم أسباب رقي المجتمع وتقدمه التنمية والنماء الاقتصادي، وهذا من ميادين التضامن الإسلامي المهمة، والتي يلتقي فيها المال والعلم والسواعد والقرار الحكيم من ذوي السلطان. وأكد أن من أهم مرتكزات التضامن التنموي توطين الاستثمار في بلاد المسلمين، والحد من ذهابه إلى الخارج وتذليل العقبات، ووضع الأنظمة لانسياب التجارة بين بلاد المسلمين واستغلال الموارد الطبعية والبشرية المتوفرة في بلاد المسلمين والأخذ بالوسائل العلمية الحديثة لتطوير الصناعة والزراعة والإنتاج وإقامة مؤسسات تنسق حركة التجارة والاستثمار في البلاد الإسلامية وإنشاء مراكز البحث الاقتصادي، لترشيد الاستثمار في الدول الإسلامية وتوطين الطاقة وتوسيع مصادرها، لتكون رافداً مهماً لنهضة الاقتصاد وإنشاء مراكز التنمية البشرية، وتطوير الأسرة، ودعم برامج محو الأمية وتعليم الكبار والعناية بالتعليم التقني والفني والتجاري، وإنشاء الورش الحرفية، لتلبية حاجة السوق لما له من أثر في مواجهة الفقر وتحقيق الاكتفاء الذاتي. وتطرق إلى أن من أهم مجالات التضامن الإسلامي إخراج الأمة من نفق التخلف العلمي والتقني الذي عاشته من زمن بعيد، وهذا ميدان يتنافس فيه الحادبون على تغيير وجه الأمة إلى الأحسن ومما يجب أخذه في الاعتبار في هذا الشأن تشجيع البحث العلمي، ورفع المستوى التقني والعلمي، وإنشاء المراكز المتخصصة في التخطيط الاقتصادي والاستراتيجي و إنشاء صندوق البحث العلمي، واستيعاب ذوي المؤهلات العالية في العالم الإسلامي ووضع حد لهجرة العقول وإنشاء الجامعات والمؤسسات التعليمية في البلاد التي توجد بها الأقليات المسلمة، وتوفير فرص التعليم للمسلمين مجاناً وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التعليم، ورعاية المتفوقين، والاستثمار في المشاريع الناجحة للباحثين والعلماء في الدول الإسلامية ودعم الأبحاث في هذا المجال الحيوي، لضمان مسيرة النماء والتطور. وبين أن من أوجه التضامن الإسلامي الوقف، وذلك باعتباره سنة نبوية قامت عليها كثير من مشاريع النهضة في تاريخ المسلمين، وتحتاجه كثير من المشروعات العملاقة في الحاضر ويجب أن يعتنى باكتشاف الأوقاف المهملة، وإبرازها لتسد الثغرة التي خصص لها الوقف وتشجيع الوقف، والترويج للمشروعات الوقفية، وتطبيق أحكام الوقف، كما في الشريعة الإسلامية والتنسيق بين وزارات الأوقاف في البلدان الإسلامية، والاستفادة من التجارب المعاصرة في الوقف. ودعا إلى تحقيق الوحدة المرجوة بين المسلمين وذلك يتطلب إيجاد آلية مناسبة لفض النزاعات، والالتزام بآداب الإسلام في الخلاف، والتمسك بثوابت العيش المشترك، ومنها: احترام الصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت الكرام، وعدم التعرض لهم بطعن أو تجريح، وتحريم الاقتتال الطائفي، والتوقف عن التبشير المذهبي ، وغيره مما يثير في الأمة النزاع والفُرقة وإنشاء محكمة العدل الإسلامية؛ لإغناء المسلمين عن اللجوء إلى المحاكم الدولية التي قد لا تتفق مع خصائص المجتمعات والدول الإسلامية وتكوين الروابط الجامعة التي تجمع الدول الإسلامية على الصعيد الرسمي والشعبي، لتدارس الهموم المشتركة، ودعم القائم من تلك الروابط. وأفاد أن من أوجه التضامن الإسلامي الحفاظ على الهوية الإسلامية من الاستلاب والذوبان، وحمايتها مما يطمس معالمها في ظل تطور وسائل الاتصال وتيسر أسباب الغزو الثقافي ومن وسائل تحقيق التضامن في هذا الجانب إنشاء الوسائط الإعلامية ذات البرامج الجاذبة والكوادر المدربة ، من أجل ترسيخ القيم والأخلاق الإسلامية الفاضلة والتصدي للحملة المسعورة الرامية إلى تشوية صورة الإسلام، والنيل من النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، بمختلف الوسائل الحضارية المعاصرة، وكشف الشبهات المثارة حول الإسلام عقيدة ومنهجاً وصياغة المناهج التعليمية بما يكفل تربية جيل منتمٍ إلى أمته، عامل لرفعة وطنه ، حريص على أخلاقه، متمسك بدينه، صالح في مجتمعه. وأبان الميثاق أن من أهم وسائل تحقيق التضامن الإسلامي إشاعة الحوار بين مختلف المستويات، حوار لا يستثني أحداً من الداخل والخارج، حوار بين الطوائف الإسلامية، حوار بين المذاهب والفرق، حوار بين الراعي والرعية، حوار بين الساسة والعاملين في الحقل العام، حوار بين القبائل والعشائر ومكونات القطر الواحد، حوار بين أتباع الأديان، حوار بين أتباع الحضارات والثقافات المتعددة، حوار يراعي آداب الاختلاف، ويستوعب نقاط الاتفاق، ويدفع للعمل، حوار يبني جسور التواصل ويزيد من مساحة التعارف، فالحوار أيسر لغة تفاهم تجمع القلوب وتوحد الأهداف. ومن وسائل تحقيق التضامن الإسلامي تبني نهج الوسطية ، نهجاً ينبذ العنف ويطرح التطرف ويدعو إلى الاعتدال ، فإن الغلو عقبة أمام التحام الأمة ، أمام تضامنها، أمام وحدتها ، أمام نهضتها، فعلى الغيورين، والمهتمين بشأن الأمة العام أن يسعوا جاهدين إلى تجفيف بؤر التطرف باعتباره خطراً يهدد الأمة وإن شبهات الغلاة لا تزال تعمل عملها في كثير من شباب المسلمين حتى حولتهم من بناة إلى طغاة، فشوهوا معالم الدين، وحرفوا نصوص الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وأشاعوا بين المسلمين البغضاء. وعلاج هذا الداء العضال بالدعوة إلى منهج الإسلام الوسطي الذي ينبذ العنف ويدعو إلى التسامح. والمسؤولية العظمى في نشر الوسطية الإسلامية تقع على عاتق العلماء والدعاة ورجال التربية والتعليم والإعلام والثقافة، توعية للنشء، وإظهاراً للحق، وصوناً لمكتسبات الأمة، وحفاظاً على شبابها الذين هم أملها ومستقبلها. كما دعا ميثاق التضامن الإسلامي إلى إبراز وسائل نشر وسطية الدين في المناهج التعليمية وذلك بنشر العلم الشرعي الذي يبدد ظلمات الجهل، ويفند شبهات التطرف، ويهذب السلوك ، ويدعو إلى الاعتدال و بث البرامج الإعلامية المظهرة لآثار التطرف والثمار المرة التي مني بها من سلك هذا المسلك المهلك و الحوار الهادىء مع أصحاب الأفكار المتطرفة، ومناصحتهم بالحسنى، وكشف شبهاتهم ، ليعودوا إلى الصراط المستقيم. وأوضح أن الإعلام هو المؤثر الأبرز في واقع اليوم، والموجه الرئيس للرأي العام، فلا بد من استثماره في دعم قضية التضامن، وتسليط الضوء على المشاريع القائمة منها، والترويج للمرجوة منها عبر الوسائط الإعلامية والإعلام سلاح ذو حدين، فلطالما اتُخذ من أعداء الأمة وسيلة لزعزعة وحدتها، وإشعال الفتن فيما بينها، وفت عضدها، وتقويض تضامنها، لذا وجب رسم سياسة إعلامية حكيمة للأمة، والسير على هداها، ليكون الإعلام نعمة لا نقمة، خادماً للأمة لا هادماً لها. وبين أن من أهم معالم هذه السياسة بناء شبكة إعلامية تدفع بقضايا الأمة، وتحسن عرضها، وتتصدى للحملات التي تريد النيل منها وإنشاء قنوات تنطق باللغات العالمية، من أجل عرض ثقافة الأمة، وتحسين صورتها، وكسب المؤيدين لقضاياها بين الشعوب الأخرى وإنشاء مراكز للتدريب الإعلامي وإعداد الكوادر الإعلامية ، من أجل عرض آمن وجاذب للأمة تاريخاً وقيماً وأخلاقاً وعقيدة وتقوية التواصل الثقافي بين شعوب الأمة، عبر إعلام يعرف المسلم بأخيه المسلم ، طموحاته وأزماته وإخفاقاته وإنجازاته وإيجاد البديل الإعلامي المنافس للقنوات العاملة على هدم الأخلاق وتوهين المعتقد. وأكد أن هذه الثوابت والأولويات والمجالات والوسائل تحتاج إلى إرادة حرة صادقة، حتى يتحقق الهدف المنشود، إرادة غير مرتهنة لمن لا يريد للأمة تضامناً ولا تواصلاً ولا منعة ولا قوة . وتستلزم صدق النوايا، وإخلاص الجهود من أجل أمة تستحق الصدق معها، ودين يستحق التضحية من أجله، وشعوب جديرة بالعناية والرعاية، فقد صبرت كثيراً وكابدت الجراح والآلام، وهي تنتظر الفرج القريب على أيدي أبنائها المخلصين وقادتها الحكماء الصالحين. ودعا الميثاق رابطة العالم الإسلامي إلى تعميمه على حكومات الدول الإسلامية، والعلماء المسلمين، والمنظمات الإسلامية، والتنسيق والتعاون مع الجميع، لما فيه تحقيق مصالح الأمة وتضامنها.