هناك نمط من الإداريين يعتقد أنَّ وجود معروض كبير من الكفاءات التي أعياها انتظار قطار الوظيفة كما يجري في هذه الأيام يمنحه الفرصة والحق في توظيف الأفضل منهم وبأسوأ الأجور، في اعتقادي أنَّ شخصاً كهذا ينقصه كثير ليتبوأ منصباً إدارياً في أي شركة، هنا يبدو الحديث بهذه الطريقة غير مفيد للعقل الرأسمالي الصِّرف الذي ينصب شباكه دائماً ليبحث عن مزيد من الربح دون أي اعتبار لأمور اجتماعية ووطنية أخرى، من هنا فإنَّ الأمل يكاد يتقلص جداً في جدوى مقال يقرأه هؤلاء، أما الأنفع والأجدى كما أعتقد فهو في وجود قانون أو لِنُسَمِّه سلم أجور يحدد الحد الأدنى للأجور للوظائف المختلفة ويُفرض على الشركات ويراعي حجمها ومتوسط أرباحها، فللطبيب حد أدنى، للمهندس، للإداري والفني، للجامعي والثانوي وما دونهم، هذا الحد الأدنى ينزع حق الاستعباد وعدم احترام المواطن من هذا الإداري، ويبعث كذلك الاطمئنان للمواطن أنَّ أحداً لن يستغل فاقته ليهينه براتب متواضع ورديء. تفتقد نسبة ليست قليلة من الشركات الخاصة لنظام وظيفي يتضمن سلم أجور ودرجات وظيفية واضحة، هذه الحالة تمنح إداريي هذه الشركة الفرصة للاجتهاد بما يحقق النجاح لهذه المنظمة، وعادةً لا يلتفت كثير من هؤلاء لأمور خارج إطار الربح المادي، وبالنتيجة فإنَّ الحديث معهم حول الوطنية ومصلحة المواطن والمجتمع لا يبدو حديثاً مستساغاً، والأسطوانة المتكررة عادةً للرد على مثل هذا الطرح هي (نحن في شركة وليس في جمعية خيرية)، ومع أنَّ هذه الكلمة تبدو للوهلة الأولى تحمل منطقاً اقتصادياً إلاَّ أنَّ حقيقتها ليست كذلك، فتقليل التكاليف ليس في كل حالاته سبباً للربح، بل على عكس ذلك تماماً قد تكون النتيجة حينما يكون ذلك على حساب الجودة، وهذه أمور وجدانية يدركها الجميع، فالآلة الأرخص ثمناً قد تكون نتيجتها محدودة جداً، وبالنتيجة ستتطلب صيانتها ربما أضعاف قيمتها، على عكس الآلة الجيدة الغالية الثمن نسبياً، وكذا الحال تماماً بالنسبة للموظف المتواضع والموظف الجيد، ولكن يبقى الفرق أنَّ الموظف الجيد ذا الراتب السيئ لن يستمر في هذه المنظمة لتكون النتيجة عكسية، ويبقى الحل المثالي هو مراعاة متوسط الأجور المنطقي في التوظيف. الشركات عموماً تُجيد التعامل مع القوانين المفروضة، فنسبة السعودة لن تكون عصية عليها عادةً، ولكن هذه السعودة قد تكون على نطاق الوظائف المتواضعة جداً، وربما تكون وهمية أيضاً، بينما يستحوذ غير السعوديين على نصيب الأسد من الوظائف ذات القيمة، ومع أنَّ الأصل في وجود الموظف غير السعودي في البلاد هو عدم قدرة مواطن على أداء (هذه الوظيفة)، إلَّا أنك تجد في كل الشركات وظائف مستحوذة من غيرهم، وهي غاية في السهولة ولا تستدعي وجود الأجنبي، ولا أعتقد أنَّ أحداً سيطالبني بأمثلة، هنا يبدو السؤال المباغت: يا سراج، ألا تعلم أنَّ رواتب هؤلاء غير السعوديين قليلة وبالنتيجة تستطيع الشركة تحقيق الربح والاستمرار في السوق، وللرد أقول: ربما يكون ذلك صحيحاً في الوظائف الدنيا، ولكن من يقول إنَّ رواتب غير السعوديين في الوظائف المتوسطة (Middle level) قليلة؟! لأي شخص يطرح هذا الإشكال أن يتأمل في الشركة التي يعمل فيها ليلاحظ أجور هؤلاء فضلاً عن أجور من هم في الوظائف العليا (TOP MANAGEMENT)، في اعتقادي أنَّ هذه الدعوى غير صحيحة على إطلاقها، وأتمنى أن يبادر أي مركز إحصائي بعمل دراسة إحصائية على شركات من مختلف المستويات ليلاحظ هذين المستويين ومتوسط الدخل فيهما لغير السعودي، وأعتقد أنَّه سيكتشف نسبة ليست قليلة من هؤلاء يتسلَّمون أجوراً عالية -ربما تضاهي السعوديين أو تزيد- أولى بها المواطنون أصحاب هذه الأرض. حلَّت المملكة في عام 2012 في المركز الثالث عالمياً والأول عربياً في مستوى الحوالات الخارجية للوافدين بمبلغ 106.5 مليار ريال وفقاً لتقرير من البنك الدولي، بينما ارتفع هذا الرقم إلى 148 مليار ريال في 2013 حسب رصد أجرته وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة «الاقتصادية أونلاين»، هذه الأرقام الفلكية أو ما يقاربها هي أرقام مخيفة جداً، فبينما نُصدِّر الملايين من براميل النفط فإنَّ نسبة ليست قليلة من الدخل تتحول لهؤلاء الوافدين بطريقة أو بأُخرى لتكون النتيجة سلبية على الوطن والمواطن، أعتقد أن هناك إمكانية للتقليل من هذا الرقم كثيراً حينما تعي إدارات الشركات ورجال الأعمال أنَّ الأقسام المملوءة بالموظفين غير السعوديين في شركاتهم أولى بها السعوديون، فقط احترموهم واحترموا كفاءاتهم ولا تسلطوا عليهم من يصمُّ آذانهم يومياً بعبارات التثبيط والانتقاص وستلاحظون أنَّ هؤلاء لا يختلفون عن خلق الله.