باتت مشكلة السكن في السعودية تعود في مجملها إلى محور واحد وهو قلة الأراضي. وغالباً ما تحاول وزارة الإسكان تبرير ذلك في تصريحاتها بقولها إن النقص ليس في عدم وجود الأراضي بشكل عام وإنما بسبب عدم وجود أراضٍ معدة للسكن أو عدم وجود أراضٍ صالحة للتطوير. يعني كما يقال بالمثل الشعبي «صبه أحقنه»! من يلاحظ خطة الإسكان يجد أنها تحرص على إيجاد أراضٍ داخل النطاق العمراني، وهذا بالطبع مرتبط بأجهزة حكومية أخرى، حتى لا يكون هناك ضغط عليها كجهات مَنوط بها تقديم الخدمات الأساسية، فالتمدد العمراني ربما يشكل هاجساً له أبعاد اقتصادية. بالتالي طرح عدد من الاقتصاديين موضوع زكاة الأراضي البيضاء، كوسيلة ضغط على كبار الملاك للتخلص من هذه الأراضي إما بتطويرها أو بيعها مما قد يسهم ذلك في حل مشكلة السكن. هذا الاقتراح بالرغم من أنه ليس حلاً مباشراً لمشكلة السكن إلا أنه واجه مقاومة شديدة لدرجة أن رافضيه تترسوا بالدين وصرحوا بأنه محرم من وجهة نظر دينية. موضوع السكن حقيقة أخذ أكثر من حقه في الجدل والتبرير وما سببه ذلك من مماطلة وتسويف، حتى أصبح مادة للسخرية والتهكم. فالموضوع ليس بحاجة إلى كل هذه الضجة والجلبة. فكل ما في الأمر أن هناك طريقتين لحل المشكلة لا ثالث لهما. إما أن تعمل الحكومة على تطوير الأراضي خارج النطاق العمراني فتأخذ على عاتقها كلفة الخدمات الأساسية وتعمل على إنشاء مدن جديدة خارج المدن الكبرى ويترك كبار الملاك في أملاكهم، فتحل مشكلة السكن نهائياً وتحل معها مشكلات عديدة من أهمها الازدحام. أو أن تلجأ للخيار الأكثر مرارة بالنسبة لكبار ملاك الأراضي وهو سحب الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني وفق آلية عادلة ومنصفة! ينظر لكل مالك وما يملك وبناء على ذلك يجبر على التنازل عما لا يقل عن 50 إلى 70% من الأراضي التي يملكونها. والأمر ليس بالصعوبة التي نتوقعها. فهناك مسح جوي قديم يميز بين الأراضي المملوكة كالمزارع وغيرها سابقا وبين التي لا يوجد عليها أي نشاط. وأقسام التعديات في جميع البلديات أنشئت من أجل هذه المهمة. ويتم ذلك بناء على قرار بأثر رجعي يمنع تملك المساحات الكبيرة من قبل الدولة مستقبلاً، كما يشير إلى سحب كل أرض بيضاء داخل النطاق العمراني. وعندما تبقي الدولة على 20 إلى 30% من باقي الأرض للمالك فالمالك ممتن أصلاً للدولة، فهو سبق أن منحت له الأرض قبل الزيادة السكانية ولم يستفد منها، ليس هذا وحسب؛ بل مارس الاحتكار المحرم شرعاً، وللدولة شرعا وعرفا أن تستعيد ما زاد عن حاجة المالك. وحتما لن يتضرر أحد من هذا القرار، فالذي يملك مائة ألف متر داخل النطاق بالتأكيد هو يملك أضعاف أضعاف ثمنها في البنوك!