بعد سلسلة من الألاعيب والسياسات الهادفة إلى ابتزاز تركيا لتغيير موقفها، من استخدام لحزب العمال الكردستاني كأداة للانتقام من أنقرة، إلى بروبغندا «الأطماع العثمانية»، إلى المؤامرة «الإخوانية»، قام النظام السوري في الأسبوع الماضي بمحاولة لتفكيك الموقف التركي ولكن من الداخل هذه المرّة. إذ استخدم ثلاثة تكتيكات تتضمن محاولات التأثير في الرأي العام، استغلال خصومة المعارضة لحزب العدالة والتنمية، وتوظيف هذه الخصومة بما يخدم أجندة النظام السوري. ففي الوقت الذي تملأ فيه الآلة الإعلامية السورية وحلفاؤها التابعين لها في لبنان وإيران الساحة بالصراخ إزاء الأطماع «القومية» التركية والتوجهات «الإسلامية» لحزب العدالة والتنمية، قام النظام السوري بدعوة عدد من رؤساء وممثلي أحزاب المعارضة التركية إلى دمشق. في سياق النص لا شيء يدعو إلى الاستغراب إلى الآن فيما يتعلق بهذه الدعوة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ النظام السوري يعتبر نفسه في معركة للدفاع عن وجوده إزاء المؤامرة الكونيّة التي تتم ضدّه! لكن نظرة فاحصة على التفاصيل ستعزز يقيننا من أنّ هذا النظام يتخبّط في التناقض، وهو إن كانت له جولات ناجحة من قبل في توظيف هذا التناقض لمصلحته خلال العقود الماضية، فإنه لا يبدو على الإطلاق في موقع يخوله تكرار ذلك الآن. ويمكن للمتابع أن يلاحظ المفارقة في هذه الدعوات عندما يتعرف على خلفية الأحزاب المدعوّة، ف»حزب الشعب الجمهوري» أتاتوركي وجميعنا يعلم الماهية التي يوصف بها أتاتورك من قبل النظام السوري. أما الحزب الثاني فهو «حزب الحركة القومية»، وهو حزب كما يدل عليه اسمه ايضا حزب قومي تركي وجميعنا استمع خلال الأشهر الماضية من عمر الانتفاضة السورية إلى سيلا من الأحاديث عن الأطماع «القومية التركية» بسوريا والمؤامرة التي تقودها أنقرة بدافع قومي. ولم يكتف النظام السوري بدعوة هؤلاء فقط، بل وفي الوقت الذي يشن هجوما عنيفا فيه على المتظاهرين السوريين واصفا إياهم بالإسلاميين المتطرفين والمتشددين و «الإرهابيين»، ومتحدثا على الدوافع «الإسلامية» المبطنة والمبيّتة لدى حزب العدالة والتنمية التركي للإطاحة بالنظام السوري، قامت دمشق بدعوة حزب السعادة الإسلامي المعروف بخطّه شديد المحافظة. والواضح أنّ الأسد يريد الاستفادة من رصيد نجم الدين أربكان على الصعيد الديني والسياسي من جهة، وأيضا حشد خصوم العدالة والتنمية في خط واحد وخوض معركته بالأدوات الإسلامية كما عوّدنا، علما أنّ حزب السعادة معروف بقربه من إيران أيضا بل وهناك أقاويل كثيرة عن تلقيه حتى الدعم المالي من طهران. من شبه المؤكد أن مثل هذا التوجه الهادف إلى تضييق الخناق الداخلي على حكومة أردوغان، وتعزيز منطق النظام السوري من أنه يواجه إرهابيين، ومحاولة كسب الرأي العام التركي بالقول أننا «لا نواجه مشكلة معكم ولكن مع حكومتكم التي لا تفهمنا» سيكون مصيرها الفشل. فمثل هذه السياسات «الفقيرة» المعتمدة للالتفاف على القضية الأساسية وهي المجازر التي يتم ارتكابها بحق الشعب السوري وفقدان الأسد ونظامه لأي مصدر من مصادر الشرعية لن تكون بديلا عن الاستجابة لمطالب الشعب.