كانت كلماته على الهاتف مليئة بمزيج من الحسرة والاستغراب والدهشة. كيف تنتهي تلك الصداقة التي استمرت لسنوات بسبب رسالة جوال. عندما استوضحت الأمر، كانت الخلاصة: سوء تواصل. الكتابة أعظم اختراع على مر العصور. وأصبحت الكتابة مؤخراً هي الوسيلة الأكثر رواجاً في التواصل بين الناس. هذا بعد أن راج التحادث بالجوال خلال العقدين السابقين لكونه أداة عملية وسهلة. الكتابة رائجة حالياً في شبكات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك وتويتر) وكذلك الرسائل النصية (إس إم إس، واتس أب) وبرامج المحادثة (ماسنجر الكمبيوتر وماسنجر البلاكبيري) وغيرها. هل هذا مفيد؟ نعم، وقيل قديماً: الحاجة أم الاختراع. هل لهذا عيوب؟ نعم، وأهمها عنوان هذا المقال. للأسف، أن هذه الطريقة تختزل كماً كبيراً من التفاصيل التي تكون عادة مضمنة في الرسالة وهي ما تسمى بالتواصل الغير لفظي (Non-verbal communication).تعريف هذا الأخير متشعب في علمه ويكفينا أن نعلم أنه يشمل أشياء عدة منها: تعابير الوجه، التواصل البصري، تموضع الجسم، وهي ما يُعبر عنها مجتمعة بلغة الجسد (body language). أيضاً هناك تفاصيل ترافق المحتوى اللفظي (الكلمات) تغيّر بصورة كبيرة في فهمنا له. تشمل هذه التفاصيل ، النمط التي قيلت بها هذه الكلمات (استهزاء ، سخرية، تشجيع، إطراء ، سرعة الصوت، حدته، و مدى علو الصوت وانخفاضه). الكلام المكتوب له أيضاً تفاصيل مرافقة لا ننتبه لها أحياناً. فمثلاً الكلمات المكتوبة بخط يد مُعتنى بجماله يختلف تقبّلها عن كلمات مكتوبة بخط يد رديء وبسرعة. فمثلاً : وصلتني في العيد تهنئة مكتوبة بخط اليد ومرسلة علي هيئة صورة. برأيك، كيف كان وقعها عليّ؟ أيضا توزيع الكلمات على الورقة أو شاشة الكمبيوتر أو الجوال وأمكنة المساحات الفارغة لها دلالات معينة. يحدث سوء التواصل عادة عندما يتلقى المستلم الرسالة بصورة محرفة عما كان يرغب المرسل بإيصاله. وهناك عدة عوامل تتحكم بدرجة سوء التواصل منها: دقة محتوى الرسالة ووضوحها، فكلما كانت الرسالة واضحة لا تحتمل أكثر من معنى كلما كان هذا مدعاة لتقليل الخطأ في فهم الرسالة. أيضا الحالة النفسية للمتلقي والمرسل تلعب دورا كبيراً، فوجود الشخص المتلقي في حالة توتر وغضب مثلاً في وقت تلقي الرسالة تساعد في فهم الرسالة بشكل مشوّه ومختلف عن المطلوب. غياب التواصل اللحظي والرد المباشر السريع من العوامل التي ربما تساعد في سوء التواصل ، فبعض الرسائل إذا قُرئت بعد ساعات يصبح لها معنى مختلف. إذن كيف نقلل من سوء الفهم في التواصل الكتابي؟ هذه بعض التلميحات التي ربما تفيد: * استخدم التشكيل في اللغة العربية، فبعض الأفعال والضمائر تغيّر المعنى تماماً وأشهر مثال على ذلك: التشكيل على التاء في نهاية الفعل، يحولها من متكلم إلى مُخاطب. * حاول استخدام أدوات الترقيم بشكل صحيح. النقطة والفاصلة وعلامة التعجب تغير المعنى تماماً. ربما يتذكر بعضنا اللغز اللطيف الذي يحكي أن ملكاً أرسل رسالة مختومة مع رجل إلى ملك سيبيريا ، وفي الطريق وجد الرجل أن الرسالة تحمل الأمر بقتله. كان نص الرسالة “العفو عنه مستحيل ، ينقل إلى سيبريا ويقتل”. استطاع هذا الرجل أن يغير معنى الرسالة بوضع نقطة فقط، فأين وضع النقطة في الرسالة؟ الحل: “العفو عنه. “مستحيل ينقل إلى سيبريا ويقتل * الأيقونات التي تحمل وجوه ومشاعر وإيماءات (Emoticons)تساعد في إيصال جزء من مشاعر المرسل. استخدمها للاختصار، لكن تجنّب الإكثار منها أو استخدامها في غير مكانها الصحيح. * إن احتجت للإطالة في شرح فكرتك ورسالتك فلا تتردد في ذلك. فمثلاً في تويتر، المئة وأربعون حرفاً ، أحياناً تكون غير كافية لإيصال الفكرة. اجعلها على شكل سلسلة من التغريدات، أو اكتبها في مدونة وضع الوصلة في تغريدة. * إقرأ رسائلك دائماً قبل إرسالها. وحاول تخمين إن كانت الرسالة تحمل أكثر من معنى. بعض الجمل تحمل معنى إخبار (تود إخبار المتلقي بأمر ما) وبعضها تحمل معنى استفهام (تود سؤال المتلقي عن أمر ما). لا تخلط بين الاثنين ولا تتركها مبهمة. * إن وصلتك رسالة صدمتك أو أثارت استغرابك أو سببت لك مشاعر سلبية بدرجة عالية، تواصل مع مرسلها بالهاتف أو وجهاً لوجه ، محاولاً الاستفهام بقدر أكبر عن مقصده ، قبل الحكم النهائي على الرسالة. بهذه الطريقة تضمن أن تفاصيل التواصل وخاصة غير اللفظي ستكون حاضرة. هذا يتأكد إن كان الشخص عزيزاً لديك. فكم من رسالة أنهت صداقة. آتانا الله وإياكم حسن التواصل :)