كان العالم يترقب في نهاية أغسطس وبداية سبتمبر الماضيين ضربةً عسكرية أمريكية للنظام السوري تستهدف مواقعه العسكرية وتحد من قدراته رداً على استخدامه السلاح الكيماوي ضد مدنيين في غوطة دمشق. حينها أدرك بشار الأسد أن وضعيته تأزمت أكثر من أي وقتٍ مضى، فرضخ سريعاً إلى طلب الاستغناء عن مخزون السلاح الكيماوي بعد ضغطٍ روسي استهدف تجنيبه الإطاحة الوشيكة به. وبعد أيام من إعلان الإدارة الأمريكية نيتها تنفيذ عمل عسكري ضد النظام السوري، تراجعت واشنطن وأعلن الأسد أنه سيتخلى عن الكيماوي. وفي خطاب «حالة الاتحاد»، نهاية يناير الماضي، بدا الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مزهواً ب «قدرة بلاده على إجبار الأسد على التخلي عن الأسلحة الكيماوية». أوباما أغفل حقيقتين، الأولى أن النظام السوري لم يلتزم بخطة تسليم الكيماوي، والثانية أن القرار الأمريكي بالتراجع عن الضربة العسكرية كان بمنزلة الهدية للأسد لأنه منحه عوامل البقاء وساعده على الإفلات من العقاب على جرائم ضد الإنسانية. ولأن الأسد أدرك حينها أنه في مأمن عن العقاب من قِبَل المجتمع الدولي، كان طبيعياً أن يعمل على إفشال الحل السياسي من خلال عرقلة مفاوضات «جنيف2-» واختلاق حجج واهية لتبرير عدم القبول بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات في سوريا. لقد تسببت السياسات الأمريكية المترددة تجاه الأسد وغير الواضحة فيما يتعلق بكيفية فرض الحل السياسي إلى تحويله من شخص غير مرغوب فيه إلى مفاوض، فاستغل الفرصة وقرر إهدار وقت الجميع، مستنداً إلى رصيد هائل من الممارسات السياسية غير المنضبطة. واشنطن أسهمت في إفشال «جنيف2-» لأنها لم تبذل الضغوط الكافية على موسكو، ولأن جهدها في تحريك المجتمع الدولي لتبني قرارات تنهي مأساة السوريين لم يكن مثمراً. الشعب السوري يريد تحركاً دولياً ضد القتلة ويدعو الأممالمتحدة إلى الاضطلاع بهذا الدور، لكن سياسات الدول المسيطرة على مجلس الأمن تقف حائلاً أمام حمايته.