الأمر الملكي الكريم، القاضي بتجريم المشاركة في القتال خارجياً؛ جاء في وقته ليحلّ إشكاليات كبرى، كُنّا (كمجتمع) نعاني منها، أُولى هذه الإشكاليات هي: الاعتقاد بأن مفاتيح القبول عند الله لا تتم إلا بطاعة بعض الأسماء، والقتال أينما وجهوا الشباب في تغرير واضح، وهو ما يعني كذلك: أن هؤلاء المحرضين يضعُون شبابنا وقوداً لحروب لا يعلم أحد أين تبدأ وأين تنتهي. ثاني الإشكاليات: أن هؤلاء المحرّضين سواء كانوا من مُدَّعي المَشيخة، أو من طلاب العلم، أو من الشباب المتحمس؛ يجب عليهم مراجعة أنفسهم (خوفاً من الله)، وليس خوفاً من البشر؛ فالأشخاص الذين كانوا حَطباً لقتال، لا يُعرَف فيه الظالم من المظلوم، ولا يُعلم فيه الحق من الباطل؛ تحوَّلوا إلى أدوات في يد جماعات أقل ما يقال عنها إنها إرهابية تخلت عن الإنسانية، وتحمل أجندات قد تكون متصادمة مع قناعات كثيرٍ من المغرَّر بهم. السؤال الأكثر دقة هنا: هل يحس هؤلاء «المحرضون» بأنهم ارتكبوا ذنباً، أم لا؟ هل نظروا إلى أمٍّ «تبكي»، وأبٍ «تدمع عينه»، وزوجةٍ فقَدت زوجها في معركة حُكمُها غيبِيّ؟! .. العقلاء مِن هؤلاء المُدّعين زوراً وبهتاناً بأنهم شيوخ؛ قادوا الشباب للجحيم.. العقلاء فيهم، عليهم العودة إلى ناصية الحق، والقيام بمراجعات فكرية، وطلَب الصفح من أولياء أمور فَقدوا فلذات أكبادهم بسببهم، فهؤلاء لم يتسببوا فقط في التغرير بالصغار، بل إنهم أسهموا بشكل واضح في خلق فجوة اجتماعية، ونَقل لَوثةِ فِكرٍ متشدد يجعل من الجميع أعداء، أو جهَلة، ويجعل هؤلاء «الشيوخ» فوق الجميع. .. اليوم إذا لم يُكَفَّ أذى هؤلاء المغَرِّرين بالشباب؛ فيجب حسابهم عن كل شخص ذهب إلى القتال بسبب فتوى منهم، فهؤلاء ليسوا مُفتِين، ولو كانوا ينظرون للأمر بأنه مجرد إعطاء حكم شرعي دون تأليب،لقُبِلَ الأمر، ولكن الأمر تحوّل من بعضهم إلى حثٍّ وتحريض وحماس لمشاركة الشباب في أُتُون حروب الخسران. .. ما يجب أن نتنبه له مستقبلاً: أننا جميعاً، كلنا، قد يتعرض أبناؤنا لنفس المأزق، وكلنا قد يُغَرَّر بأولادهم من قِبل أمثال هؤلاء ممن يلبسون لباس التقوى، ولكنهم يَدْعُون إلى القتل والتشرذم وإزهاق الأرواح البريئة.