شهدت منطقة الجوف إقبالا كبيراً على دور الإيواء والمطاعم المنتشرة في مدينة سكاكا العاصمة الإدارية للمنطقة التي احتضنت مهرجان الزيتون الخامس الذي تزامن مع العطلة الفصلية لطلاب المدارس. طباخ سعودي وكان الجديد في مهرجان هذا العام وجود لافتة كبيرة أمام أحد المطاعم كتب عليها «طباخ سعودي» لتدفع تلك اللافتة الكثير لدخول المطعم بحب الفضول والتحقق من صحة ذلك «متوقعين أن ذلك ليس إلا من باب الدعاية» إلا أنهم وجدوا رجلا ستينيا تبدو عليه ملامح ابن الوطن مرتديا «مريلة» الطبخ في استقبالهم ويرحب بهم ليسأل عن طلباتهم يساعده اثنان من أبنائه الصغار ليتحققوا بعدها أن الطباخ سعودي فعلا. ترك الوظيفة وأكد الطباخ السعودي أبو ناصر ل «الشرق» أنه استقال من عمله الحكومي في وظيفة مفتش بإحدى الوزارات قبل ثلاثة أعوام من بلوغه السن النظامية للتقاعد لتنفيذ مشروعه الجديد الذي يعمل فيه بنفسه حبا لمهنة الطبخ، وأوضح أبوناصر أن أوضاعه المادية ممتازة وأن افتتاحه للمطعم جاء من باب التنويع وقضاء أغلب فترات اليوم فيه مع أبنائه معتبرا أن ذلك هو المكسب الحقيقي للمشروع. حكمة أمريكي ويرجع أبو ناصر السبب الحقيقي لخوض غمار تجربة العمل طباخاً بعد الله إلى قناعته الشخصية أولاً التي عززتها حكمة قالها له محاضر أمريكي خلال ابتعاثه خارجيا من قبل الوزارة التي يعملون بها؛ حين قال له المحاضر ذات مرة «يجب أن تقف عن الشيء الذي لا تحبه وتعمل الشيء الذي تحبه». تحد للمجتمع وقال أبوناصر «الوزارة أرسلتني أنا وزملائي للتدريب والتعلم لنضيف الجديد في مجال العمل لديها، وأنا تمردت وتعلمت من الحكمة التي سمعتها لأقرر ترك العمل وأغير حياتي» . مؤكدا أنه ليس نادماً على ذلك لأنه خدم بوظيفته لدى الحكومة أعواماً عديدة وأن الوقت حان ليترك المجال لغيره من الشباب أبناء الوطن للعمل الحكومي ويخوض تجربة جديدة لخدمة وطنه بمهنة تشهد عزوفا تاما من المواطنين. الراتب في يومين واعتبر أبو ناصر أنه متى ما عمل أبناء الوطن بالمهن التي يحبونها بأنفسهم سيحققون دخلا يفوق ما قد يحصلون عليه عشرات المرات من الوظائف الحكومية مستشهدا بما يحققه من دخل يومي يعادل نصف الراتب الذي كان يتقاضاه بالوظيفة داعيا الشباب لخوض التجربة وسيجدون ما يسرهم؛ متى ما أخلصوا العمل بأيديهم وعدم الاعتماد على العمالة التي قد تتعمد إفشال مشروعاتهم ليقوموا باستئجارها منهم بأسعار زهيدة لاحقا. القرار الصعب وأكد أبو ناصر أنه بعد قراره قطع الابتعاث والعودة للوطن ليقدم الاستقالة، ولم تنجح محاولات زملائه بثنيه عنها؛ بحجة إكمال الخدمة لبلوغ التقاعد، وأنه أعتبر أن مشروعه الجديد أحق بها في ظل وضعه المالي الجيد الذي يضمن له ولعائلته الحياة الكريمة، قرر خوض المشروع من باب التجربة فوراً بعد استقالته وعودته من الرياض إلى الجوف ليبدأ في تجهيز مطعمه الخاص بمحافظة دومة الجندل ويعمل به طباخا بعد افتتاحه وينتقل بعدها إلى سكاكا المركز الإداري للمنطقة التي تشهد كثافة سكانية كبيرة.ويشهد مطعم «كبسة أبو ناصر» حاليا إقبالا كبيرا من قبل أهالي وزوار مدينة سكاكا الذين جذبتهم الكبسة السعودية التي يعدها أبو ناصر البالغ من العمر 57 عاما. قهر الطموح ويبين أبو ناصر «أنه مرتاح كثيرا في عمله الحالي لأنه يحقق له المهنة التي يحب وطالما حلم بالعمل بها بعد أن تعلمها أيام الدراسة، مشيرا إلى أنه يدرك حجم التحدي الذي يواجه العديد من الشباب الراغبين في العمل بمهن لم يتعود المجتمع عليها ، وقال «نحن السعوديين تمنعنا العادات والأعراف الاجتماعية مما نحب ونجبر على العمل بالوظيفة ليس حبا بها إنما رغبة في رضا المجتمع المحيط بنا». 250 كيلو أرز وأوضح أن المطعم لا يعمل به إلا عامل فقط يساعده في النظافة دون أن يتدخل قطعيا في إعداد الطعام، كما أنه يحرص على اصطحاب اثنين من أبنائه للعمل معه وأنه يطبخ باليوم أكثر من 250 كيلو من الأرز وعدد من كراتين الدجاج والذبائح نتيجة الإقبال المتزايد الذي يشهده المطعم. ديوانية الضحى وأكد أبو ناصر أنه حاليا نادم ليس على الوظيفة، إنما على الأعوام التي مضت بها حين كان يمنعه الحياء والخوف من نقد المجتمع أو فشل المشروع مشيرا إلى أن المطعم ساهم في لقائه بعشرات الأصدقاء القدامى بعد أن فرقتهم ظروف الحياة وأن المطعم تحول إلى أشبه للديوانية التي تجمعهم فترة «الضحى» كل يوم، حيث يتسامرون ويتبادلون الذكريات الجميلة. أبوناصر أمام لافتة مطعمه في سكاكا