يحصد «الاحتيال العاطفي» الذي يمثل واحداً من أشهر أنماط الاحتيال على الإنترنت، أكثر من مائة مليون دولار سنوياً، ويقع بمعدلات متزايدة على مستوى العالم، مستغلاً طيفاً واسعاً من الفرص تدر دخلاً يتجاوز مئات الآلاف من الدولارات على من يتقنه. وتنشط هذه الألاعيب الإلكترونية من خلال مواقع التعارف وشبكات التواصل الاجتماعي التي يؤمها خلق كثير من مستخدمي الإنترنت خاصة من الشباب والنساء ونسبة من الرجال، غير أن تأثير تلك المواقع المباشر ينصب على فئتي الشباب والنساء بصورة أكبر من غيرهما من الفئات لاعتبارات كثيرة تتعلق بالقيود التي يعانيها كثير منهم، فيما يتعلق بحرية التعامل مع الجنس الآخر، وبخاصة في بعض المجتمعات الشرقية. وأتاحت تلك المواقع، فرصاً إيجابية كثيرة لأناس يبحثون عن نصفهم الآخر، لكنها أيضاً تعد سوقاً عريضة لتصيد الباحثين عن المعاملة الحسنة والفهم المتبادل، وكم هم كثيرون ويتسمون بكثير من البراءة. ويمكن معرفة حجم ظاهرة الاحتيال العاطفي من خلال إحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي التي أشارت إلى أن عائدات هذا الاحتيال العاطفي في 2013 فاقت المائة مليون دولار سنوياً، صعوداً من 55.9 مليون دولار في عام 2011. وكشفت إحصاءات المكتب عن أن النساء فوق الخمسين هن الأكثر عرضة للاحتيال العاطفي عبر الإنترنت. ولنا أن نتصور معنى أن يكون في بلد كالولاياتالمتحدة 44% من السكان عزاب، وأن 53.7% من هؤلاء العزاب هم من النساء والبقية (46.3%) من الرجال. وتدل دراسة أمريكية نشرت في 31 ديسمبر الماضي، وأعدتها دار للنشر مهتمة بالاحتيال الإلكتروني، على أن 9% من النساء العازبات يجدن شريكاً من نوع ما في تلك المواقع، بينما لا يحظى سوى 2% من الرجال العزاب بهذه الفرصة. وتلعب الإحصاءات التي تتوافر للمحتالين عن أنماط استخدامات الإنترنت وطبيعة الخصائص الديموجرافية لمستخدمي مواقع التواصل والتعارف، دوراً حيوياً في بنائهم لخطط «الغزو العاطفي». وفي هذا الصدد، تشير الإحصاءات إلى أن 80% من الرجال يجدون شريكاً يصغرهم على الاقل بخمس سنوات، فيما تتحقق الفرصة نفسها ل 76% من النساء. وثمة عوامل لها الأولوية في جذب الطرف الآخر، وتمثل الصفات الشخصية ما نسبته 30% من تلك العوامل، يليها المظهر العام بنسبة 23% ثم الحس الفكاهي بنسبة 14% والتعليم والوظيفة بنسبة 10%. ويقدر المختصون الوقت الذي يستغرقه تكوين الانطباع الأول عن شخصية رجل ما لا يزيد على 15 دقيقة، فيما قد يتطلب الأمر ساعة كاملة لتكوين انطباع عن المرأة. وتدل الإحصاءات على أن 53% من العزاب ينخرطون في أكثر من علاقة ، وتقدر نسبة فرص الاتصال الهاتفي بين الطرفين بعد أول تعارف بنسبة 12%. ويرى 51% أن الإطراء هو أقصر السبل للفت انتباه الطرف الآخر. أما نسبة الانجذاب من جانب المرأة للطرف الآخر عبر الإنترنت منذ اللقاء الأول فتصل إلى 33% بينما يؤمن 71% بالحب من أول نظرة. أما عن تفضيلات العازبات ممن يرتدن مواقع التعارف، فتميل غالبيتهن إلى تفضيل الرجل المجامل وقليل منهن يفضلن الجريء، فيما تفضل كثيرات أن يكون فتى أحلامهن خليطاً من النوعين. ولا تكترث نسبة قليلة منهن بطبائعه. أما عن تفضيلات الرجال، فتميل إلى النساء اللاتي يعملن في مهن غير تقليدية، وبنسبة مشابهة يميلون نحو الفتيات المتحضرات، وقليلون يبحثون عن نساء ذات مواصفات جمالية خاصة. ويستخدم مواقع التعارف على الإنترنت أربعين مليون أمريكي 52% منهم من الرجال و 48 من النساء. وبالتالي يعتقد كثير من المختصين، أن هذه المواصفات لمستخدمي المواقع العاطفية تثري خيال المحتالين ليبتكروا طيفاً واسعاً من الحيل الماكرة للإيقاع بضحاياهم. وعلى الرغم أن ما ينطبق على المجتمع الأمريكي من قيم وإحصاءات، قد لا ينطبق على غيره في الغالب، فإن الدراسات التي تجرى في هذا المجال، تعطي مؤشرات مهمة عن طبيعة جمهور مواقع التعارف وشبكات التواصل الاجتماعي. وتبدو المسألة صعبة القياس في المجتمعات العربية عادة، نظراً للقيود الثقافية التي تحول دون إجراء دراسات من هذا القبيل، إلا باستخدام أسلوب «الطرف الثالث»، وهو أسلوب شائع في الدراسات ذات المواضيع الحساسة. وتشير مواقع متخصصة في مكافحة الاحتيال العاطفي إلى أن عدد ضحايا هذا النمط من الاحتيال في الولاياتالمتحدة يقدر بنحو 20 مليون شخص، أي بمعدل واحد من بين كل 15 شخصاً ما يعده المعنيون بتلك المكافحة رقماً يستحق الاهتمام. وتشير دراسة أجريت على معدلات الأمان المتاحة لمرتادي مواقع التعارف والتواصل الاجتماعي، ونشرت نتائجها في 14 يناير الحالي، إلى أن 64% من مواقع التعارف تعتبر الاهتمامات المشتركة الوسيلة الأساسية لجذب الأطراف الراغبة في إقامة علاقات أو التعارف بصفة عامة. وتجذب الاهتمامات الموسيقة 43% من مرتادي تلك المواقع، فيما يمثل الاهتمام بالغذاء محوراً مهماً لنحو 40%، أما السينما فتمثل موضوعاً مشتركاً لنحو 37% من زوار تلك الموقع، وتصل نسبة من تجذبهم الكتب والموضوعات الثقافية إلى 30%. وتحذر الدراسة من أن 81% من زوار مواقع التعارف يقدمون أنفسهم للطرف الآخر بصورة مخادعة. وتبين أن غالبية الخداع النسوي يأتي على صعيد العمر ومواصفات الجسد، أما بالنسبة للرجال فإن مادة الاحتيال الدسمة تتعلق بالعمر والدخل بصفة أساسية. ويتراوح القرار بين استمرار البحث عن الشريك المستقبلي المناسب ويمثل هؤلاء ما نسبته 33% ، أو اتخاذ قرار بالارتباط وهؤلاء لا تزيد نسبتهم على 17%. وتشير تقارير لجهات المكافحة إلى أن غالبية المحتالين عاطفياً يقودون ضحاياهم عقب إسقاطهم في شباكهم باتجاه جني الأرباح، من خلال إيهامهم بأن لديهم أعمالاً أو مشاريع وأنهم دائمو السفر ما وراء البحار، وغالباً ما يكون هذا الأمر غير حقيقي، فربما كانوا جيراناً للضحية في الحي نفسه، أو كانوا محتالين من قرية مغمورة في نيجيريا أو جنوب إفريقيا. وأشارت دراسة إلى أن الولاياتالمتحدة وحدها يعمل فيها أكثر من 800 موقع مواعدة وتعارف يجتاحها 10% من المحتالين. مشيرة إلى أن 20% من المستخدمين لها يفصحون عن معلوماتهم الحساسة ما يعرضهم للخطر ويجعلهم مادة دسمة للمحتالين. وتأخذ واقعة الاحتيال أكثر من سيناريو، فما أن يمضي على بدء العلاقة شهر أو شهران إلاَّ ويكون المخادع خلالها قد بنى أرضية جيدة من الثقة مع الضحية، حتى يبدأ العمل الجاد للإيقاع بالضحية. وتتمثل أشهر السيناريوهات في هذا الصدد، في الإدعاء بالتعرض لحادث ومن ثم يطلب من الشريك أن يبعث إليه ببعض المال لتغطية نفقات العلاج وفاتورة المستشفى. وأحياناً يطلب تكلفة استصدار تأشيرة لبلد الضحية حتى يتمكن من السفر إليه ومقابلته، أو يطلب مساعدته على علاج قريب له من مرض خطير يهدد حياته. ولضمان إقناع الضحية، قد يرفق المحتال خطاباً مزوراً من أحد المستشفيات يتضمن تكلفة العلاج وطبيعة الإصابة أو المرض. وتلعب أطراف أخرى أدواراً داعمة للمخادع سواء ظهروا كمحامين أو شرطيين أو أطباء. وتشير الإحصائيات إلى أن نتاج هذا الاحتيال يتراوح بين مبالغ بسيطة ويصل في أعلى حالاته إلى 400 ألف دولار من الضحية الواحدة. ويشترك المحتالون عاطفياً في الغالب في صفات مشتركة منها، الوصول إلى ضحاياهم عن طريق موقع للمواعدة أو التعارف أو شبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وغرف الدردشة والبريد الإلكتروني. وعادة ما يدعي المحتال أنه من نفس جنسية ضحيته، لكنه في الواقع قد يكون من جنسية أخرى. وتكررت في قضايا الاحتيال العاطفي التي كشفتها السلطات المعنية، حالات من الخداع. فعادة ما يوحي المحتال لضحيته أن ما تعرض له من سوء المصير حدث بينما كان في طريقه إلى المطار ليسافر إليه لمقابلته، بعد أن يكون شغل خيال الضحية للدرجة المناسبة، بحيث تكون وصلت إلى مرحلة تتلهف فيها على مقابلته. وقبلها قد يرسل المحتال لضحيته صورة من وثائقه المزعومة، وغالباً ما تكون جواز سفر به صورة شديدة الجائبية غالباً لا تكون صورته. ولا تعدو نصائح المختصين بمكافحة الاحتيال العاطفي عن كونها بديهيات من أسس التفكير السليم. ومن ذلك ألاَّ ترسل أموالاً لأي شخص كائناً من كان دون التحقق من هويته. وألاَّ تتشارك معلومات حساسة كعنوانك أو رقم هاتفك مع شخص عبر الإنترنت. وعليك أن توجه أي شخص يتعرض لإشكالية في الخارج ويطلب مساعدتك إلى مراجعة السفارة أو القنصلية لاتخاذ اللازم لمساعدته. ونظراً لطبيعة الانترنت، فمن الصعب التحقق من الاسم الحقيقي للمحتال ومعاونيه أو التثبت من معلوماته الأساسية كالعمر والحالة الاجتماعية والجنسية بل وحتى النوع الاجتماعي. وغالباً ما ينتحل الشخص المخادع شخصية وهمية في جميع تفاصيلها. سواء انتحل شخصية رجل أو امرأة. ولذلك إذا أردت التحقق من معلومات شخص ما فلا عيب في أن تتأكد من جهة رسمية من معلوماته ومن حقيقة وضعه الاجتماعي ومهنته وغير ذلك. وبمجرد اكتشاف الاحتيال، عليك قطع كل اتصال مع المحتال فوراً، وتجاهل جميع مراسلاته سواء البريد الإلكتروني أو الرسائل أو الاتصالات الهاتفية. وإذا كنت تورطت في إرسال حوالة عبر «ويسترن يونيون»، يجب التأكد منهم إن كانت قد صرفت أم لا ومن ثم إيقافها واستردادها. ويفضل عمل نسخ احتياطية من جميع المراسلات مع المحتال لتقديمها إلى الجهة المختصة عند اكتشاف الاحتيال أو الشك في اقتراب حدوثه. وينصح أيضاً بالاتصال بجهات الخدمة البريدية لمنع تسلم أي رسائل أو طرود لك من الشخص المعني لتجنب تعرضك لمخاطر جراءها في حال عدم اتمام صفقة المحتال. وثمة إجراءات لتأمين مرتادي مواقع التعارف والتواصل الاجتماعي ضد الاختراق ومن ذلك، تجنب الضغط على الإعلانات المبوبة التي تروج لها. كما يُنصح بتجنب الإفصاح عن المعلومات الحساسة عبر تلك المواقع. ويتيح موقع www.spokeo.com خدمة للبحث في حسابات مستخدمي أكثر من 60 شبكة تواصل اجتماعية في أنحاء العالم للتأكد من بياناتهم التي تشمل اسم صاحب الحساب وصوره وملفه الشخصي. كما يستطيع الموقع الوصول إلى خدمات البريد الإلكتروني العالمية كالياهو و»جي ميل» و»هوتميل» و»أول دوت كوم» وغيرها كثير. لكن ثمة مقابل مادي يطلبه الموقع نظير هذه الخدمة. وهنا يتوجب أيضاً أن ننصح قرائنا باتخاذ الحيطة والحذر عند إدخال أية بيانات تتعلق ببطاقة ائتمان أو حساب مصرفي فضلاً عما يرتبط بذلك من بيانات، تجبناً لما قد ينطوي على نوع آخر من الاحتيال وهو اساءة استغلال الهوية البنكية.