كم يفتخر الواحد منا عندما يرى واحدا من أبناء بلده له طموح وهمة عالية، وأن يكون أنموذجا للشباب في عالمنا العربي. مهند أبودية هو واحد من هؤلاء الذين يفخر بهم الوطن، وسبب حديثنا عنه اليوم أنه فاز مؤخرا بجائزة مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة للشباب العربي المتميز في مجال الاختراع من بين 200 مرشح من العالم العربي. إننا في كل مرة نتكلم عن مخترعين ومبدعين يتبادر إلى أذهاننا الجيل الذهبي العلمي من أمثال ابن حيان، والخوارزمي وابن هيثم وغيرهم، ولكن حين نتكلم عن العصر الحديث لا نجد تلك الكثرة من الأسماء، فهم قد لا يتجاوزون أصابع اليدين. لذلك أعتقد أن شباب عصرنا الذي انفتح على الثقافات الأخرى لوفرة وسائل الاتصالات الحديثة يحتاج إلى نماذج شابة مبدعة ومبتكرة من جيلهم ومن جلدتهم، وأن يروا قدوات وأمثلة من أرض الواقع تثبت لهم أنهم من الممكن أن يحققوا إنجازات علمية. المخترع مهند أبودية هو من جيل الشباب، فهو لم يتجاوز 26 سنة بعد، ومع ذلك فله إنجازات كثيرة وكبيرة، وتلك نعمة ربما يغبطه عليها كثير ممن عمّر في الدنيا ولم يترك أثرا، فالعبرة ليست بالعمر بل بما نحقق وننجز، ولذلك لنا معه عدة وقفات مقتضبة أعتقد أنها تستحق الإشارة مع الإشادة. الوقفة الأولى: هي أن ندع الطفولة تعبِّر عن نفسها، فقد كان منذ الصغر مولعا بتفكيك الألعاب والأجهزة الإلكترونية قطعة قطعة ( وكذلك كان توماس أديسون )، وتلك الصفة أكسبته المهارة لاحقا في الإبداع والابتكار. الوقفة الثانية : امض في تحقيق حلمك بعزيمة، عاش مهند أربع سنوات مع حلمه ليقدم أشهر اختراعاته وهي غواصة «صقر العروبة» ، التي يمكنها أن تصل إلى عمق 6525 مترا متفوقا على الرقم القياسي للغواصة اليابانية شينكاي. خلال هذه الفترة ذكر أنه سمع كلمة مستحيل 232 مرة، ولكنه ظل يسير نحو الحلم المستحيل ليصبح حقيقة، فهو العاشق للتحدي. الوقفة الثالثة : أن الحياة لا تخلو من الحوادث والمصائب ولكن المهم كيف نتعامل معها، فقد تعرض لحادث مروع في 2008، وهو في سن 21 سنة أفقده بصره وساقه اليمنى، ومن العجيب أن آخر اختراعين له قبل الحادثة كان للمكفوفين ( ولله في كل شيء حكمه) ولكن لم يكن ذلك مثبطا له كما قد يفعل البعض منا، بل زاده قوة وتصميما، فقد علق على ذلك بقوله: إنني مثل السهم أحتاج لقوة تشدني إلى الخلف لكي أنطلق بقوة إلى الأمام. الوقفة الرابعة: شجع من حولك، ولذلك أسس مركز اسطرلاب للتدريب، وهو مركز علمي مختص باحتضان المبدعين وتدريبهم وتقديم المساعدات والخدمات لهم، وهو حالياً يرأس مجلس إدارته. بعد أن حصل على عدة جوائز محلية وعالمية، وسجل عدة اختراعات وابتكارات، ونشر مجموعة من الكتب مازالت قافلته تسير، ونحن نتمنى له التوفيق والثبات، وأن يواصل اختراعاته وابتكاراته ليتفوق على أديسون صاحب الألف اختراع، ولعنا حينئذ نخصص له ميدالية خاصة به فقط لا لغيره، كما فعل الكونجرس الأمريكي مع أديسون.