هناك مسارات ثلاثة تحدد العقلية العربية والإسلامية في وعيها وتعاطيها مع الواقع المعاصر، ووفق هذه المسارات نستطيع تشخيص الخلل فيما يتعلق ببنية التخلف أو «سؤال التخلف» لماذا نحن متخلفون وغير قادرين على النهوض والتقدم؟ وكذلك نظرتنا للعالم وإلى ذواتنا التي تفتقد الرؤية والهدف وفي أي مسار ترغب أن تكون فيه، هل المنافسة مع الأمم المتقدمة أم التبعية والتخلف؟ وبحسب الخيار الثاني لا يبقى لنا إلا البكاء على الأطلال كما صنع الشعراء في العصر الجاهلي. يتطرق الكاتب التونسي حاتم عبيد في دراسة له بعنوان «الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر: رؤيتان للتاريخ متناقضتان»، إلى وجود وعيين بالتاريخ متناقضين: وعي لا تاريخي ضارب في القدم بجذوره وملق بظلاله على كتابات عربية كثيرة لم يتخلص أصحابها إلى يوم الناس هذا من قبضته والتفكير في قضايا العصر خارج المنظومة القديمة، ووعي تاريخي جديد منتسب إلى زمن الحداثة وفلسفتها، آخذ في التشكل والتبلور يوما بعد يوم في نسق بطيء ولكنه مستمر. وأضيف إلى ذلك وجود وعي بين التاريخي واللا تاريخي أطلق عليه «التيار التوفيقي» أبرز رموزه جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده. وبحسب اعتقادي أن هذا التيار لم يوفق فيما ذهب إليه، وبالتالي أصبح حائراً ومشتتاً وأثر كذلك على مسيرة الحداثة التي تبناها أصحاب مسيرة التجديد والإصلاح والحداثة وبذلك أثر حتى على مسيرته واستمرارها. هذه المسارات الثلاثة تحدد مدى وعينا وفي أي مكان نريد أن نكون فيه نحن كعرب ومسلمين على خارطة العالم، إذا كان خيارنا المسار الأول فمصيره معروف وهو الانشغال بالماضي واستدعاؤه بين فترة وأخرى وهذا لا ينتج نهضة أو تقدمًا، أما المسار الثاني وهو مسار الحداثة الذي هو قريب من الواقع الراهن والمعاصر وهو القادر على توجيه البوصلة بحيث نكون في مصاف الأمم المتحضرة والمتقدمة لأن هذا الزمن في حاجة إلى أدواته وليس أدوات الماضين الذين هم تعاملوا مع واقعهم ومعطياته وما توفر لهم لكن الجيل الذي نحن فيه الآن بحاجة إلى الأدوات الراهنة التي توصل إليها العالم ومخالفة ذلك تجعل وضعنا كما هو وسؤال التخلف سوف يتكرر دائما معنا، بينما المسار التوفيقي، الذي لم ينتج -بسبب ازدواجيته والحالة المربكة التي أنتجها- إلا التخبط، لأن أصحابه أرادوا إخضاع الحديث للقديم، وهذا رهان خاسر لأن كل عصر له معطياته وأدواته الخاصة به. وبذلك نصل إلى أننا كأفراد وكجماعات علينا أولاً تحديد المسار الذي يوصلنا إلى الهدف وهو المسار الذي يتوافق مع أدوات وآليات الزمن المعاصر. الحداثة ليست ترفا فكريا كما يتصور بعضهم، بل هي حاجة ملحة، إذا لم يتم استيعابها فإن ركب التقدم والازدهار والتطور سوف يكون حلما صعب المنال. لأن الزمن في حالة سير مستمر، ونبقى نحن في الخلف لأننا وقفنا ضد السنن الطبيعية التي يسير عليها العالم.