سعيد مواطن سعودي متقاعد قابلته صدفة بعد غيبة طويلة، لكنه كان في حالة غريبة، مهموم مشغول، سألته: «سلامات يا سعيد؟ ماذا حدث وكان؟ هل أنت مريض؟ لقد كان لك من اسمك نصيب؟». بعد هذه الأسئلة، أجاب سعيد وفي وجهه كثير من علامات الأسى والحزن: يا ليت أني لم أتقاعد، فأنا والحمد لله في صحة وعافية، وكان راتبي عشرة آلاف ريال، والحمد لله كان يفي باحتياجاتي، ولكن بعد أن تقاعدت، بعد خدمة 22 سنة، أستلم الآن راتبا تقاعديا مقداره 3700 ريال، وهذا لا يتناسب مع احتياجاتي حيث أسكن بالإيجار، وأدفع أقساطا شهرية للسيارة، ولدي بنين وبنات ما زالوا يدرسون، فتأثرنا جميعا بالنقص الذي حدث في راتبي، ما دفعني ذلك للعمل على المشاوير، أوصل طالبات ومعلمات بسيارتي، وأعمل ليلا ونهارا حتى أسد النقص الذي حدث لدخلي الشهري، كي تعيش أسرتي حياة كريمة، وعلى الرغم من ذلك فإن مجموع الدخل لا يفي بالاحتياجات، خاصة مع ما نعايشه من زيادة في الأسعار. وبعد أن انتهى من حديثه، ذهب على عجل باحثا عن لقمة العيش. المواطن سعيد في قمة نشاطه وحيويته، ولكن الجزء الأكبر من راتبه (العشرة آلاف ريال) كان عبارة عن بدلات، وحينما تقاعد تم حساب معاشه على راتبه الأساسي، وخصم جميع البدلات، ووصل إلى هذا الحد، رغم أنه حاصل على الشهادة الثانوية، وخدم الوطن لمدة 22 سنة بكل جهد وجد، ونال عديدا من خطابات الشكر والتقدير والثناء من الذين عمل معهم من زملائه، لكن لكل شيء نهاية، والتقاعد نظام لابد من تطبيقه، وهذه سنة الحياة. المتقاعد بعد التقاعد يفقد جزءا من راتبه، ويكون لبعض المتقاعدين فراغ كبير من الوقت، فيتسلل الملل إلى حياته، ويشعر أنها انتهت، فيصاب بالاكتئاب والأمراض فتسوء حالته لأنه اعتاد على العمل وحديث زملائهم. كما أن هناك متقاعدين لم يخططوا لما بعد التقاعد وآخرين رسموا طريق المستقبل، فخططوا مسبقا وعملوا وأنجزوا، وبدأوا حياة جديدة بكل تميز واقتدار، فكونوا علاقات اجتماعية، وفتح الله عليهم أبوابا كثيرة من الرزق. وهكذا تختلف أحوال المتقاعدين حسب توجهاتهم وأفكارهم. فالتقاعد بداية لمرحلة جديدة في حياة الإنسان، ينطلق فيها بكل حرية بعيدا عن نظام العمل. وعلى أي حال، فالمتقاعدون لهم حقوق، فهم خدموا الوطن الطاهر، في أجمل سنوات عمرهم، ويجب تكريمهم وإنشاء جمعية لهم، ترعى حقوقهم، ولكثرة المتقاعدين يجب إنشاء أندية أو ديوانيات في المدن، يجتمعون فيها، ويتبادلون الذكريات. والمواطن المخلص سعيد، ليس الوحيد الذي يعاني من اختلال وفجوة في الدخل بعد التقاعد، فأتمنى أن يتم إعادة النظر في نظام المتقاعدين الذين يعانون من فقدهم أموالا من رواتبهم بعد التقاعد، فهم قد عاشوا سنوات طويلة براتب معين، ويجدون صعوبة كبيرة في التعايش عندما يفقدون آلاف الريالات من رواتبهم بسبب التقاعد.