العرب كأمة مهزومة حالياً من الطبيعي أن تفتقر للإنتاج على مختلف الأصعدة، وفي مقدمتها بالطبع الإنتاج الفكري. والمهزوم دائماً هو في حالة بحث مستمرة عن مخارج وحلول لأزمته المزمنة. والعربي بسيكولوجيته يفتقر للصبر والإصرار على تحقيق غاياته. ولا يستثنى من هذه السمة أي فئة من فئات المجتمع العربي، بما فيها فئة المثقفين، بل على العكس؛ فالمثقف العربي أصبح هو من يروِّج لحالة اليأس هذه ويمارس «الحلطمة» وسرد البكائيات ومعلقات الردح، ويظل ينتقل من أدلوجة إلى أخرى بسرعة البرق تحت تأثير نزقه وأهوائه. ومن الطريف أن أذكر إحدى الممارسات التي تندرج تحت هذا السياق، فأحد المثقفين تبنى خيار المصادمة مع السلطة، وبعد أن وجد نفسه وحيداً بينما البقية يلتفون حول السلطة يتملقونها والشعب منصرف وراء لقمة عيشه، آثر الرجوع إلى حضن السلطة، ولما عاتبه مريدوه على ذلك قال: لو وجدتم رجلاً يردد كلاماً، ورجعتم بعد 100 سنة ووجدتموه مازال يردد ذات الكلام، فماذا أنتم قائلون؟! قالوا: مجنون! فقال أنا كذلك. طبعاً هذا المثقف الانتهازي تجاهل المبادئ في سؤاله السطحي لمريديه، وضللهم بكاريزميته. وبعد أن انخرط مريدوه في الربيع العربي وظل وحيداً، عزم على اللحاق بهم وتبنى مصادمة السلطة مرة أخرى!. انتهت سنة 2013م التي أسمِّيها بحق «مؤدِّبة الشعب العربي» الذين لم يتعلموا من تجارب الأمم الأخرى، واعتقدوا أن النهضة والتحول الديمقراطي مجرد نزهة! وقد تجلت سيكولوجيتهم العربية بعد أن ظهرت بوادر الهزيمة مطلع 2013، إذ إن العربي لا يضع في مخيلته أدنى حيز لخيار الهزيمة، فيذهب إلى مصيره متبختراً يقوده انتفاخ الذات الممزوج بالتفاؤل الساذج. في كليات الحرب في الدول المتقدمة يخضع المتقدم للاختبار النفسي، الذي يعد بحق أقسى أنواع الفحص الطبي، فيسأل عن سجله الدراسي وشؤونه الحياتية الخاصة، وإذا ما وجد الطبيب أدنى قصور في أدائه السابق، يقوم مباشرة بتقريعه وتأنيبه والسخرية منه وإبراز عيوبه الشخصية، والقسم أمامه بأنه إنسان فاشل ولم يتخرج إلا بعامل الحظ فقط! فعندما ينهار المتقدم يطرد مباشرة؛ لأنه لا يستحق أن يقود الأساطيل والجيوش وهو صاحب معنويات قابلة للانهيار في أي لحظة. نعود إلى عرباننا المتفائلة وكيف أدَّبتهم «سنة 2013»، ففي مصر ظنوا أن مجرد تنحي مبارك كفيل بكنس 60 عاماً من الاستبداد، ودخلت الأحزاب للانتخابات الرئاسية كما لو أنها في إحدى الدول الإسكندنافية، فكل عشرة نشطاء رشَّحوا رئيساً لهم وفق رؤيتهم الضيقة. ولم يلبث الثوار حتى أكلوا ثورتهم بأنفسهم، والأمر بطبيعة الحال ينسحب على بقية بلدان الربيع العربي.