وكان (صبيّح) فتى يافعاً بسيطاً أتى من الشمال بصحرائه الجرداء الشاسعة والممتدة، بالكاد يملك قوت يومه، طحنته الحياة بأضراسها ونواجذها الحادة ولفظته في عالم مبهم ليس له ملامح، انخرط في السلك العسكري مراهقاً صغيراً لايقوى علي حمل السلاح الذي يرهق أكتافه الغضة، ولكنه الجلد والصبر حينما يستفيقان في تحد للهدف الحياتي الذي كان نصب عينيه المحدقتين نحو أفق المجهول، ولكن التفاؤل هو عنوانه العريض، وأن الحياة رغم قساوتها فهي دائما أجمل، تلامس أوتار قلبه الشفيف يعزف لك نغماً من النبل والطيبة التي تراها في عينيه الحالمتين، كتلة من النقاء والصفاء وأريحية الصحراء بخزامها وشيحها مفترشة صدره في اتساعها الشاسع، ولكن كما يقول المثل «لن يبقى حال على حال». اقتحم عالم الأسهم والاقتصاد برأس مال بسيط وفهم أصول اللعبة وتكتيكاتها بإتقان، قاتل وصارع وانتزع لقمته من فم الأسود في عالم لا وجود للضعيف فيه، جالد مع المجالدين إلى أن قدمت له الحياة هديتها على طبق من ذهب، ولكنه لم ينس أنه ذلك البسيط من طبقة البسطاء التي ينتمي إليها، وكأن وخزاً في قلبه يحزه حينما يرى ذلك المحتاج أو صاحب الفاقة أو السائل، فيبادر قبل أن يبادر ذاك، لم يتسام وينتابه الغرور في أغلب حالات بعض من الأثرياء! ممن ينسون فقرهم المدقع فيتكابرون عنه!