قبل ستة أشهر من إعداد الميزانية ترسل وزارة المالية نماذج لكل الوزارات لتحدد ما تحتاجه من ميزانية. بعد ذلك تقوم فروع الوزارات بإرسال احتياجاتها إلى مراكزها الرئيسة، وهناك تُرتب وتُعد بشكل نهائي وتُرسل الطلبات إلى وزارة المالية، التي بدورها تقوم بحذف وإلغاء وتأجيل بعض طلبات الوزارات دون الرجوع إلى معطيات حقيقية، وإنما بناءً على تقديرات اجتهادية. وقد تمنح بعض الوزارات كامل الميزانية التي طلبتها حتى وإن كان طلبها مبالغاً فيه وزائداً عن حاجتها، وعلى حساب الاحتياجات الأخرى الملحة للوزارات الأخرى. والمشكل في الأمر أن وزارة المالية تستأثر في إعداد الميزانية وليست عليها أي جهة رقابية تراقب مراحل إعداد الميزانية. ولا تستفيد من البيانات والمعطيات التي تجمعها وزارة التخطيط، وليس هناك تعاون بينهما. وقد تسترشد بالخطة الخمسية التي وضعتها وزارة التخطيط ولكنه استرشاد صوري وفضفاض غير مبني على معطيات تفصيلية. وجميع الجهات والإدارات الأخرى مُغيَّبة في مناقشة الميزانية، فليس لمجلس الشورى ولا مجالس المناطق ولا للمجالس البلدية أي دور في إعدادها. وقبل نهاية العام بأيام تُرسل ملفات وتفاصيل الميزانية إلى الوزراء، حيث يقبلونها كما جاءت ويصوتون بالإجماع عليها بنعم في مجلس الوزراء دون أدنى مناقشة، وذلك لغياب المعطيات لديهم وعدم القدرة على معرفة الأمور المحاسبية، ويكون التصويت إجمالياً على كل فصل وليس على البنود التفصيلية. هناك سرية غير مبررة في إعداد الميزانية، ولا أدري لماذا لا يُمنح مجلس الشورى أي صلاحية لإعداد الميزانية مع أن جميع دول العالم تمنح هذه المؤسسة التشريعية كامل الحق في مناقشة وإعداد الميزانية؟ لذا فإن كثيراً من الأسس والمعايير الاقتصادية التي بموجبها يتم توزيع النفقات تكون مغيبة تماماً، فلا يُراعى التنوع الاقتصادي ولا التوزيع الشامل للمناطق الجغرافية. والحل الأمثل لهذه المشكلة أن يُفصل إعداد الميزانية عن وزارة المالية ويُمنح لوزارة التخطيط لأنها الجهة التي تتوفر لها المعطيات والإحصائيات الاقتصادية الدقيقة، وهي التي ترسم الخطط الخمسية، وكذلك ينبغي إشراك مجلس الشورى في الرقابة والاستشارة في إعداد الميزانية.