أمام الواقع الذي تُعد فيه خطط التنمية الخمسية وتقارير المتابعة السنوية وعدم علاقة مايعتمد بمعظم ميزانيات جهاتنا الحكومية مع ما تشتمل عليه تلك الخطط بسبب الخلل الذي نعايشه منذ سنوات طويلة في هذا الشأن نجد أنفسنا مجبرين على التساؤل عن الجدوى من تلك الخطط الخمسية التي تصدرها وزارة الاقتصاد والتخطيط وأحياناً عن مدى حاجتنا لوزارة الاقتصاد والتخطيط بوضعها الحالي! وحتى نتحدث بصراحة أكثر وبعيدا عن التنظير يجب أن نُذّكر بان "الولادة القيصرية" لخطة التنمية التاسعة بإقرار مجلس الشورى لها الأسبوع الماضي وبفارق صوت واحد بعد تمديد فترة التصويت لايمثل في حقيقته أمراً هاماً تتوقف عليه مسيرة تنفيذ الدولة لمشروعاتها خلال سنوات الخطة من (1431/1432ه) الى (1435/1436ه) كما أنه لايمكن أن نصف جهاتنا بأنها تنفذ مشروعاتها بدون خطط معتمدة حتى وان كانت الميزانية الحالية 1431/1432ه التي بدأت قبل (8) أشهر اشتملت على اعتماد عدد كبير من المشروعات الجديدة وقدمت لوزارة المالية مشروع ميزانيتها للعام القادم (السنة الثانية من الخطة) والتي تم الاتفاق على اعتماد مشاريع جديدة بها على الرغم من عدم إقرار الخطة حتى الآن من مجلس الوزراء! أي هناك مشروعات ستعتمد ولمدة عامين بدون الخطة التاسعة والإيضاحات المطلوبة من مجلس الشورى عن آليات التنفيذ والمتابعة! فالتأخير الواضح في اعتماد الخطة التاسعة لم يكن أمرا جديدا حيث إن خطة التنمية الثامنة السابقة لم تعتمد إلا بعد مرور أكثر من عام على بدئها والتي لم تتناسب مع الأوضاع التي كانت تغطيها لكونها أُعدت خلال فترة كانت الايرادات تشهد انخفاضا شديدا، ولكن لأن ايرادات الدولة شهدت ارتفاعا كبيرا في حجمها خلال تنفيذ الخطة الثامنة رأت القيادة استغلال الفرصة وأقرت مشاريع ضخمة بميزانية جميع الجهات بغض النظر عما اعتمد بالخطة، وبالتالي كانت الميزانية الفعلية لسنة واحدة فقط أكثر من المعتمد بكامل سنوات الخطة الخمس! كما اعتمدت مشاريع جديدة خارج الميزانية والخطط الخمسية من فائض الإيرادات ولجهات تعاني من نقص شديد في خدماتها والتي مع الأسف تعثرت معظمها! وإذا رأينا الطريقة التي تُتبع في إعداد الخطط الخمسية سنجد أن جهاتنا تُعد خطتها الخمسية على نماذج وزارة الاقتصاد والتخطيط –كل فيما يخصه – ولكن كما يراها مسؤولو كل جهة عن الأهداف والاستراتيجيات والمشاريع وليس كما يجب أن تكون عليه خدمات الجهة والمهمة المنوطة بها تجاه الدولة ومواطنيها! فالخلل أن دور وزارة الاقتصاد والتخطيط يتمثل فعليا في تزويد الجهات بالأسس العامة والاستراتيجيات ويفترض من كل جهة أن تُعد خطتها وفقا لذلك، ثم تقوم الوزارة بتجميع خطة كل جهة وتصدرها كخطة خمسية للدولة في الوقت الذي تعاملت كل جهة مع خطة التنمية بأنها عبء إداري يوكل لموظفين تنفيذيين لتعبئة نماذج موحدة وصياغة عبارات عامة لأهداف مكررة بالخطط السابقة، ولايتم الاهتمام بدور الجهة في تنفيذ خطط الدولة في معالجة الفقر وتآكل الطبقة الوسطى والبطالة وارتفاع تكلفة المعيشة و...الخ كما أن إعداد الخطط يرتبط بسقف مالي بناء على حالة الاقتصاد وقت إعدادها وهو ما اظهر الخطة الثامنة السابقة بأنها كانت قاصرة ولم تلبي حاجة الدولة والمواطن واظهر الخطة التاسعة الجديدة بأنها غير واقعية! ولانعلم عما إذا كانت هناك استفادة فعلية من معلومات مصلحة الإحصاءات العامة عن التعداد السكاني في إعداد الخطة وتنسيق فعال مع وزارة المالية لضمان تنفيذ الخطة وتمكين وزارة الاقتصاد والتخطيط من أداء مهمتها! أما فيما يتعلق بتقارير المتابعة السنوية فانه في نهاية كل عام ترسل كل جهة نماذج المتابعة لوزارة الاقتصاد والتخطيط التي تقوم بتوحيدها في مجلدات وترفعها للمقام السامي كما هي وبدون بحث الانحراف مع الجهات للتغلب على صعوبات التنفيذ! ولذلك فإن مهمة التخطيط ومتابعة التنفيذ نراها تتم من قبل الجهة الحكومية ومن وزارة المالية وهذا مايفسر لنا استمرار مشاكل كبيرة لم يتم حلها لأن وضع الخطط لمعالجتها جذريا يجب أن يتم برؤية شاملة تحقق التكامل بين خطط جميع الجهات وغياب هذا الأمر خلق التباين بينها، أما بالنسبة لمهمة الاقتصاد فمن الواضح أنها لاتتم من أي جهة فما لدى الوزارة المعنية بالاقتصاد سوى الاسم فقط!