ما يزال الربيع العربي مستمرا، بآماله وآلامه، بورده وشوكه، بشراره وناره ودخانه، بمحاولاته وأخطائه ومراجعاته، بمؤسسيه ومناضليه وشهدائه، وكل انتهازي يحاول ركوب الموجة. تصحيح وتأصيل يقابله التفاف ومراوغة حول الثورات، وخبرات ومصطلحات جديدة تغزو قاموسنا البارد، الجيش يعد والشعب يتوعد، والجيش يتوعد والشعب يتوجع، إملاءات وتوجيهات خارجية، وهاهي بعض ذيول النظام القديم ترجع للساحة بهدوء بأسماء جديدة متخفية تحت وشاح الربيع العربي، والخوف من عودة حليمة أو ريمة.أما العالم الذي يسمونه حرا فها هو – كعادته – يكيل بمكيالين، فتراه تارة ينشط ويؤلب الرأي والسلاح العالمي حول منح الحريات وقمع الظلم حيث تتلاقى مصالحه، ويجعجع تارة اخرى بنداءات جوفاء وتهديدات زائفة حين تهدد مصالحه او مصالح حليفه الاقليمي المدلل، ولكي تعرف المنتفع من اللعبة لابد أن تنظر حولك، ولتبحث عن الطرف الساكت والهادئ مع أن النار مشتعلة والدخان خانق في بيت جاره، وقد يدعي متحمس بأنهم أغبياء، فنقول له تمهل فلعل لديهم ضمانات ووعودا من أغبياء آخرين. آمال شعبية في لقاء وحراك الجامعة العربية، وتطلع بريء إلى قراراتها القوية والمخيفة، وتوحد واضح يمثله فريق مراقبة لدود ترتعد له أقنعة الشبيحة، 400 مراقب لدولة يسكنها 23 مليونا، ولا غرابة في الأمر فقد أبلغ العرب القدماء حين قالوا: تمخض الجبل فولد فأرا، وحاد الفأر عن الجادة وتعلم التدخين. فيم التباطؤ؟ أوتصدق الآمال فيهم وفي تحركاتهم المباركة، وتصريحاتهم الجادة؟ أم أن فاقد الشيء لا يعطيه، وهل يتحرك فاقد الإرادة، أم تراهم افتضحوا فاصطلحوا، ولقد أجاد والله طبيب العيون حين وصف حالهم في حديثه المطول بمن يضع في فمه سيجارة مشتعلة وينصح غيره بالتوبة عن التدخين، وحين يدخن الكل يصعب إطفاء الحريق، ويشتد الكرب، ويزيد الدخان كلما اجتمع المدخنون ليتباحثوا في أمرالحريق ومن يحترق. هل تمثل الجامعة العربية آمال الشعوب العربية وتطلعاتها للعدل والمساواة والحرية والعيش الكريم؟ أم إن دخان من يمثل الشعوب – طبعا بإذن الشعوب وتفويضها الحر – حال بينهم وبين رؤية ما تريده الشعوب بحق، فأبعد ما يرون هو ذلك الطرف الأحمر المشتعل للسجائر بأفواههم، السيجارة هي الغاية، وشهوة حرق الآمال، وكلما هاجمهم أحد من الداخل أو الخارج نفثوا عليهم دخانهم ليغيب، ويختنق في دوائر الدخان الأبيض.تدفع بقية باقية من خجل بعضهم الى التنصل لفظا من جريمة قتل الشعب السوري الأبي، ويلقون كامل التبعة والمسؤولية على الأممالمتحدة وعدلها المطلق، ومجلس الأمن بنزاهته وحياده الذي لا يرقى إليه أدنى شك، كالمستجير من الرمضاء بالنار، وأرجو أن لا يسأل أحد عن النار والرمضاء، فقد حار أهل اللغة وفريق الإطفاء في ذلك، وأوصوا في الإجابة بسلوك أسلم المسالك، تصريح رسمي بلغة ديبلوماسية رشيقة يتبرأ به من جريمة قتل شعب واغتيال حلم، تصريح يريح الضمير الحي، ويتلوه عشاء فاخر، ويتبعه تدخين هادىء لسيجار كوبي معتق.ويسأل شيخ عجوز خرف لا يجيد قراءة الصحف المحلية سؤالا بريئا، ولطالما حذرونا من الأسئلة البريئة وشطحات الحكمة على أفواه المجانين، يسأل: لماذا لا تتحرك الشعوب العربية المعروفة بنخوتها ونجدتها لإنقاذ الشعب السوري وهم كما يقال إخوانهم في الدم والدين واللغة والتاريخ والمصير والعدو المشترك؟ يا له من سؤال جاهل، ألا يعرف أن الشيم العربية والأخلاق الإسلامية لا تجيز ولا تحل ولا تقبل أبدا أبدا التدخل في شؤون الغير؟ وتهمة الإرهاب ووصمته جاهزة لكل من تسول له نفسه الأمّارة بالسوء التدخل في شؤون الغير؟، ولن يشفع له كونه من غير المدخنين، والحذر الحذر من عمل أي شيء غيرالحوقلة وشرف العقم العربي المتوارث. دعونا من هذا الهراء، ولندرك ما بقي من لهب السيجارة القديمة لنشعل بها أخرى وأخرى وأخرى، وألف ألف تحذير بخط عريض تحته ألف خط أحمر غليظ، حذار وحذار أن ينصحني أحد – كائنا من كان – بالتوبة عن التدخين ويعظني ببيان أخطاره وأضراره، فكلنا مدخن، وكلنا حر في حرق سيجارته أو حرق ماله وآماله أو حرق أي شيء حي يملكه، وفي نهاية المطاف فإن الكل مشارك في الدخان الكبيرالذي يزين الاتجاه العربي الموحد، ويزيده وضوحا ونقاء واشتعالا، ونصيحة قانونية أخيرة لكل من أفطر فولا عربيا ثقيلا قبل قراءة هذه الكلمات أو بعدها، ونذكره وأنفسنا فيها بأن الأطباء يحذرون من التدخين فهو ضار بالصحة!