في مثل هذا الوقت من كل عام، تعلن المملكة العربية السعودية عن الميزانية العامة للدولة، وعلى امتداد السنوات الماضية كان التفاؤل حليف المواطنين والوطن وأحسبه تفاؤلاً مقروناً بالغبطة كردة فعل للنمو المتصاعد في الميزانيات على التوالي، ذلك النمو الذي تجسَّد على الأرض بمنجزات عديدة موسومة بكثير قرباً من احتياجات الناس. في كبد الحقيقة أن الإنسان السعودي يستأهل كل الخير ويستحق بجدارة أن يكون محور الاهتمام والرعاية وبلاد الحرمين الشريفين تستحق السخاء في الإنفاق وهي جديرة بالنهضة وأهل للتقدم والازدهار، وهذا فعلاً ما سعت حكومة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبد العزيز- حفظه الله – وأدام وجوده لتحقيقه على الدوام ومازالت في نفس الطريق المضيء تسير. ولعل ميزانية العام الفائت كانت الأكبر، وقد جملها أكثر حُسن التوزيع وملامستها المباشرة جوانب التنمية البشرية – التنمية التي يجب أن تأخذ ما تستحق من الاهتمام في القادم من الميزانيات حتى الوصول إلى درجة الاكتفاء الذاتي، عطفاً على أهميتها كمحور حيوي معاصر تترتب على نموه والتوسع فيه فوائد عديدة للحاضر، ولما لها أصلا أقصد التنمية البشرية من دور مهم في تحقيق التنمية المستدامة. المراقب يلحظ أن الميزانية العامة للمملكة في نمو متصاعد، وبالذات السنوات الثلاث الماضية، وهذا بلاشك يعنى كثيراً وكثيراً لصنَّاع القرار وللمواطنين، ويشغل في نفس الوقت المحللين وأهل الرأي الاقتصادي ويذهب بهم إلى محطات بعيدة في الدراسة والتأمل. وهنا تقول الحقيقة إن المملكة جزء من العالم تؤثر فيه وتتأثر به، وخط الاقتصاد من المؤشرات الأقرب في مجال تفسير معادلة التأثر والتأثير، غير أن للقوة الاقتصادية دورها في حفظ ميزان الثبات والسيطرة على المخاطر، ومن هنا يمكننا القول إن تصاعد رقم الميزانيات في ظروف عالمية مضطربة يعني بما لا يقبل الشك أن لدى المملكة قدرة في التعامل مع المتغيرات وهذه القدرة أثبتت متانة الاقتصاد السعودي، المتانة الممكن قراءتها من مؤشرات النمو المتصاعد لميزانيات الدولة عبر السنوات الفائتة مما يجعل احتمالية منافسة الميزانية الحالية لما قبلها من الاحتمالات القابلة بالبراهين للتحقق على أرض الواقع. في هذه العجالة لن أتطرق لتحليل الميزانية الفائتة بلغة الأرقام، ولن أعرج على تقرير البنك الدولي بشأنها وما قبلها من ميزانيات، طبعاً لن أتحدث بأي شيء عن آراء المختصين من اقتصاديين وماليين ومن في جرتهم من أهل المعرفة حول الطريقة الأنسب لإعداد الميزانية في مقارنة بين النظام المحاسبي نظام الأبواب ونظام البرامج مثلا، حيث يتجه الرأي الاقتصادي إلى وجود صعوبة في حصر المصروفات بشكل دقيق في الميزانيات المعتمدة على نظام الأبواب عكس ما يمكن تحقيقه من دقة في نظام البرامج. ولكنني سأقول استناداً إلى تقديراتي المتواضعة إن المملكة العربية السعودية ثالث (أقل) دولة في الدَّيْن العام على مستوى العالم، وأنها حققت نهضة تنموية كبرى خلال السنوات العشر الماضية، وحلقت بالإنسان السعودي بعيداً في مجال التنمية المعرفية، ولم تغفل خدمة المكان بتميز. تحت وقع الترقب المتفائل لصدور ميزانية هذا العام، حيث أحرر هذا المقال قبل الإعلان الرسمي لصدورها بساعات أقول: 1 – إن تعزيز ثقافة التعامل مع معطيات الميزانية أصبح على درجة رفيعة من الأهمية سواء على الجانب الرسمي التنفيذي أو الجانب الاجتماعي. من الثقافة السائدة في معظم الوزارات قبل إيقاف الحسابات وإعداد الحسابات الختامية على أساس إيقاف الصرف من اعتمادات الميزانية الجارية أن ترتب نفسها على تجفيف بنود الميزانية المخصصة لها وفق مبدأ (لا تردون لوزارة المالية شيئاً) وهذا الترتيب قد يفضي إلى الفوضى و تأمين مالا لزوم له ومن أراد أن يتتبع الموضوع فما عليه إلا أن يراقب حركة تأمين الأثاث المكتبي في الربع الأخير من الميزانية للوزارات والمصالح الحكومية، كمثال ويقارنه بما تم في السنة السابقة في نفس الوقت. هذه الثقافة (ومعها غيرها) مما لا يتسع المجال لذكره يجب أن يُلتفت لها ويعمل على إزالتها من المفهوم الإداري. 2 – المجتمع ولا أقول كله غارق في الالتزامات غير الضرورية، تأمين الكماليات موضة معاصرة تتزايد على حساب الحاجات الأساسية، ثقافة الادخار ضائعة في منهج سوء التدبير. هذا الأمر يفرض على الجهات المعنية أخذ التدابير اللازمة لرفع الوعي المجتمعي من خلال استراتيجية تدفع بالوعي العام إلى الأمام. معالجة ما تقدم ذكره من الروافد المعتبرة في مجال الاستفادة المثلى من الميزانية العامة للدول الريعية كما أفهم. أسال الله سبحانه أن تكون ميزانية هذا العام ميزانية خير وسلام، ودمتم.