في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي فاجأ الرئيس الروسي الحضور بهجوم شامل ساحق على شخصية ستالين الطاغية، ويعتبر هذا المؤتمر نقطة تحول أولى في تاريخ البلشفية قبل أن تنهدم نهائياً مع مجيء غورباتشوف، وقف خروتشوف يعدد جرائم ستالين: كيف فعل؟ وكيف أجرم؟ (فقط من أوكرانيا أرسل 800 ألف إلى الإعدام من خيرة الناس)!. تابع خروتشوف: كيف يحدث مثل هذا فيتسلط فرد على رقبة أمة؟. استمع الحضور برغبة وإنصات وشيء من الرعب، فالكل له قصص درامية مع الطاغية، ثم قطع الصمت صوت رجل من طرف القاعة الغاصة: ولماذا سكتَّ أنت وأين كنت؟ كان للصوت وقع مدو!! صرخ خروتشوف منفعلاً: من القائل أين هو؟ ليقف ويعلن عن نفسه؟ لم يمد أحد يده، ولم ينبس أحد ببنت شفة، واستولى على القاعة صمت رهيب. وكأن الطير على رؤوس الناس كما يقول المثل العربي. وقف خروتشوف لعدة ثوان صامتاً فلم يلفظ كلمة ثم قال: والآن هل علمت لماذا سكتُّ أنا ولم أفعل شيئاً؟ إنه تماماً مثل الذي فعلت، لقد برر موقفه على نحو علني من ثنايا ما حدث في القاعة. كان خروتشوف أيام ستالين يعلم تماماً أن أي اعتراض على الطاغية يفسر بالتمرد ومصير صاحبه القتل على صورة ما، ويقول صاحب كتاب نهاية التاريخ (فوكوياما) إن نظرة سوء من ستالين كانت تجعل صاحبها يرتعش فرقاً حتى يرضى عنه الجبار. وفي عدد المجلة الألمانية (در شبيجل) رقم 36 من عام 2001 حين تناولت ذكرى الاجتياح الألماني لروسيا ذكرت أن ما لا يقل عن عشرة ملايين من السكان ماتوا في المجاعة أو بالإرهاق والمرض في عهده غير الميمون، وخروتشوف لو أراد أن يجادل ويبرهن لمدة ساعات عن موقفه مع ستالين لما استطاع ذلك سبيلا، ولما أقنع الناس، ولكنه بهذه الحركة كان جوابه أكبر من كل جواب. يقال أحياناً إن الصمت أبلغ في الإجابة من كل جواب، والأفعال تثبت الأفكار أكثر من كل جدل، والقرآن يذكر عن بعض النماذج أنهم جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، وعملية اللعب بالكلمات لا نهاية لها، كما يقول الفيلسوف (فيتجنشتاين) ويجب أن يستخدمها المرء عند الناس الذين يريدون أن يسمعوا، والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون، إن الأفعال هي التي تعد وليس الأقوال، وإن كلمات قليلة تغني عن شروح موسعة، وإنه ليس كل كلام يعلق عليه، أو يرد ضده، أو يشرح، أو يفند، وكل الذكاء في اختيار موقف سليم أو عبارات موفقة وإذا بالنتيجة تسحر ألباب الناس… وإن من البيان لسحرا.