من المهم إدراك أن هناك عدة مفاهيم لمصطلح النخبة، وهو ما يختلف عليه الكتَّاب والباحثون، حيث يفسّرها بعضهم بأن هناك تمييزا بين النخبة والجماهير، وهذا ما أكد عليه الكاتب والباحث غيتا وموسكا، الذي عبّر عن فكرته الأساسية بهذه الكلمات: «بين الحقائق والميول الدائمة التي يمكن أن توجد في كل بنية سياسية، ظاهرة بيّنة إلى درجة تبدو فيها بوضوح لأقل العيون تدقيقا.. ففي كل المجتمعات تلك المجتمعات الضعيفة التطور، التي لم تكد تبلغ فجر المدنيات، إلى أكثر المجتمعات تقدما وقوة، تنشأ طبقتان من الناس، طبقة حاكمة وطبقة محكومة، والطبقة الحاكمة هي دائما أقل هاتين الطبقتين عدداً، وهي التي تقوم بكل الوظائف السياسية وتحتكر السلطة كما تتمتع بالفوائد التي تكون حصيلة تلك السلطة. بينما الثانية، والمقصود هنا المجتمع هي الأكثر عدداً، وفي حال تسيّرها فيه الطبقة الأولى وتدير شؤونها بطريقة يقال فيها إنها شرعية بصورة أو بأخرى كما يقال فيها بكيفية عنيفة». هذا الفهم والتفسير للنخبة يقّر به كثيرون من الكتاب الغربيين والعرب والدراسات جلّها تبحث في هذا المفهوم من هذا المنطلق، وتصنّف النخبة بمعنى فئات من الناس تمارس السلطة السياسية مباشرة وتكون في وضع تؤثر فيه بشدة في عملية ممارسة السلطة السياسية. وفي نفس الوقت النخبة تشمل الطبقة العليا في المجتمع. وهذا المفهوم تؤكده كاتبة فرنسية قدّمت دراسة عن النخبة في فرنسا، وعالجت فيها بوضوح تحرّك الأفراد بين الفئات الفرعية المختلفة من النخبة الحاكمة، وانبرت تدرس ببعض التفصيل تاريخ أربع من هذه الفئات: الأغنياء، والنبلاء، والأرستقراطية العسكرية، ورجال الدين التي أطلقت في دراستها على هذه الفئات اسم «الطبقات العليا في المجتمع»، بينما انصرف موسكا في تصنيفه إلى أن النخبة نفسها وطريقة تشكيلها خاصة في المجتمعات الديموقراطية الحديثة، بأن الطبقة الحاكمة تتيح لبعض القوى بالتأثير، وذلك لإيجاد التوازن بين القوى الاجتماعية الأخرى، وفي نفس الوقت للحد من استفراد جماعة واحدة بقوة التأثير المباشر، لذلك فالمفهوم الذي ذكره باريتو للنخبة بأن قسّم النخبة إلى طبقتين: طبقة حاكمة، تشمل أفرادا يقومون بدور مباشر أو غير مباشر في الحكومة، ونخبة غير حاكمة تشمل باقي الأفراد في طبقة النخبة. يظهر التفسير الفارق بين ما ذكره موسكا، فباريتو يحرص دائما على التأكيد بأن التمييز بين الطبقة الحاكمة والجماهير تمييز مطلق، ويخص المفاهيم العصرية «الديموقراطية» و«الإنسانية» و«التقدم»، بينما نجد موسكا على استعداد للاعتراف، وبصورة ما لتأييد أن النخبة تمثل بمعنى من المعاني «المصالح والغايات لفئات مهمة وذات تأثير في المجتمع».. ففي الأزمنة الحديثة لا ترتفع النخبة عاليا فوق سائر المجتمع لكنها تتصل اتصالا حميما بالمجتمع عبر لجان أو ما يسمى نخبا فرعية وهي فئات تشمل كل الطبقة الوسطى، التي تتمثل في مدنيين ومديرين وموظفين وعلماء الدين ومهندسين ورجال الفكر.. فهذه الفئة لا تقوم فقط بإمداد النخبة «الطبقة الحاكمة» بما تحتاجه من استشارات أو توجيهات بل إنها بحد ذاتها تعتبر عامل استقرار رئيسا للطبقة الحاكمة «النخبة».