من تراثنا كتاب طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، وعيون الأنباء لابن قتيبة الدينوري، والإمتاع والمؤانسة للتوحيدي، و(فقه اللغة وسر العربية) للإمام أبي منصور إسماعيل الثعالبي النيسابوري (429 ه 1038م)، وهو يقوم بتقسيم وتفصيص الكلمات فإذا أنت في مواجهة خرائط نفسية عجيبة للمصطلحات، وهكذا فالحب غير العشق وغير التيم. ويبدو أن هذا المركب أعني الحب يدخل في مراحل، ولقد قرأت قبل فترة قصيرة بحثاً مثيراً عن ظاهرة علمية تدرس عن الحب من النظرة الأولى. وفي فيلم (شاب إلى الأبد) بقي الفتى يحفظ الحب حتى بلغ الثمانين بعد أن حيل بينهما ووضع في قالب مجمد مبرد نصف قرن من الزمان ليخرج من الأجداث الجليدية وهو يرتعش برداً وعجباً، وفي النهاية اجتمع بمن يحب فتجرأ وقال لها هل تتزوجينني؟ وكذلك قصة الحب في زمن الكوليرا، وهي من أعاجيب الرومانسية. ولكن الإمام الثعالبي يأخذ بيدنا بالتدريج في تفهم الآلية التي يدخل الحب معراجها فيقول: إن أول مراتب الحب (الهوى)، فإذا سيطر درجة أصبح اسمه (العلاقة) وهي الحب اللازم للقلب. فإذا اشتدت فوعته أصبح (الكلف) وهو شدة الحب. فإذا زاد عن ذلك أصبح اسمه (العشق)، يقول الثعالبي (ثم العشق وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب) ولعله يقصد من تعشق الشيء أي شدة الالتصاق، وسبحان من جعل بينهما مودة ورحمة. فإذا بدأ صاحبنا يحترق من لواعج الحب دخل مرحلة خطيرة اسمها (الشعف). وأعترف أنني أقرأها للمرة الأولى ويعرفها أنها (إحراق الحب للقلب مع لذة يجدها) أي هو الاكتواء بنار الحب. بعدها يدخل المبتلى المسكين في الدرجة السادسة وهي (اللوعة) و(اللاعج) ويعرفها على النحو التالي: (وهذا هو الهوى المحرق). فإذا زاد الأمر عن ذلك استولى على القلب من داخله، يقول: (ثم الشغف وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب وهي جلدة دونه)، ونحن نعرف اليوم طبياً أن القلب مغطى بورقتين من الخارج اسمها التامور ومن الداخل واسمها الشغاف، فمرحى للجمع بين علمي التشريح والغرام. ولكن هل يمكن أن يزيد عن هذا؟ يقول: نعم، يبدأ صاحبنا بالمرض فعلاً فلا يكاد يتلفت إلا ويرى صاحبته على نحو ما أمامه. يقول الثعالبي: (ثم الجوى وهو الهوى الباطن). عند هذه المرحلة تبدأ حالة المرض والسقام، وتستولي الحالة على صاحبها، فلا يملك لها دفعا ولا هم ينصرون، ويقع في حالة انهيار.