انتهت فعاليات المنتدى العالمي الأول لمجتمع المعرفة، الذي انعقد الأسبوع الماضي في الظهران، من أمام موقع إنشاء المبنى الحُلم، «مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي»، بقيادة شركة أرامكو وبالتعاون مع عدد من الجامعات والوزارات السعودية وجهات عالمية أخرى من ضمنها منظمة اليونسكو، والحقيقة لفتت انتباهي الجدية التي اتخذتها شركة النفط حين قررت توسيع نشاطها من صناعة النفط، إلى فن بناء فكر وثقافة الإنسان، لم يُشغلني سابقاً الشأن النفطي للشركة، قدر ما أشغلني لمدة ثلاث سنوات متابعة تلك المبادرة الضخمة والفريدة من نوعها على مستوى المنطقة، التي احتضنها مركز إثراء الثقافي «وهو تحت الإنشاء» الذي من الواضح بأنه سيُصبح وبقوة منبعاً لنشر الثقافة بشتى أنواعها ممهداً الطريق أمام أفراد المجتمع ليسجل بداية تغيير نوعي يستهدف الذائقة الثقافية والجمالية والفكرية التي كان يتمناها الفرد في مجتمعه بعد غياب تام لها عن المشهد. قدم المنتدى في يومين كمية من المبادرات الإثرائية الهادفة، التي تمت بتعاون من وزارة التربية والتعليم والاقتصاد والتخطيط ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وتهدف إلى تحويل مجتمع المملكة إلى مجتمع معرفي يواكب الحضارة الثقافية باختراق الزمن وفتح المجال لاستيعاب تجارب المجتمعات الأخرى، بعد أن أثبتت أكثر من دراسة مدى استعداد أغلب أفراد المجتمع للنقلة المعرفية التي يساهم فيها الشباب بجميع طاقاته في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع. وكانت المبادرة التي قدمتها «جامعة الدمام» بعيدة عن النمط التقليدي للجامعات السعودية، التي اعتادت أن تُبقي طاقاتها وخبراتها داخل أسوارها، أتت لتغيير الفكرة القديمة مُعززة لمفهوم المسؤولية الاجتماعية للجامعة من منطلق ترسيخ القيم في أعمال الخير والعطاء بتسخير الطاقات البشرية من خلال ثلاث دروع معرفية، سميت بدروع السلامة المستدامة دافِع، صِلة، مُتاح، التي فتحت باب الشراكة بين الجامعة والمجتمع لضمان تغطية احتياجات السلامة البشرية والمعرفية والبيئية لجميع أفراد المجتمع، وعنيت المبادرة أيضا على تحسين بعض البرامج المجتمعية القائمة في الوقت الحالي من برامج «طبية، وأدبية، وإنسانية، وهندسية، وعلمية وإدارية». ويهدف الدرع الأول «دافع» المشتق اسمه من دفع الضرر بقوة وسرعة عن المواطن والوطن، إلى تحصين المجتمع بدروع سلامة بشرية عن طريق تدريب أكبر عدد ممكن من منسوبي جامعة الدمام على مهارات دفع الأخطار وحماية الأرواح والممتلكات وتنظيم إدارة الحشود في حالات الطوارئ، وتقديم خدمات معرفية ومساندة تشمل كافة أفراد المجتمع في مدن وقرى وهجر المنطقة الشرقية عن طريق مراكز الأحياء والمدارس الحكومية والأهلية، مساهماً في نفس الوقت بتقديم الإغاثة والمعونات الإنسانية وقت الأزمات كقوة إضافية مساندة بجانب أفراد الدفاع المدني للتصدي للكوارث الطبيعية والبشرية، ويستفيد من البرنامج في مرحلته الأولى والثانية منسوبو جامعة الدمام من أعضاء الهيئة التدريسية والإدارية والطلاب والطالبات، حيث ستشمل المرحلة الثالثة معظم أفراد مجتمع المنطقة الشرقية. ويهدف الدرع الثاني «صلة» الذي يعني وصل الشيء بالشيء، بتفعيل دور منسوبي الجامعة من أعضاء وطلاب في خدمة المجتمع الذي يعيشون فيه، ونقل ونشر الثقافة بصورة مبتكرة ومباشرة دون مقابل، مع رفع الوعي بالمهارات الحياتية والمهنية «مثل مكافحة العنف الاجتماعي، والادخار والترشيد، والتغذية الصحية، والتعليم باللعب والاستثمار العائلي» والوصول لجميع الفئات بمختلف الأعمار والمستويات التعليمية خاصة في القرى والهجر النائية لردم الفجوة الثقافية بين المدن، ولرفع الوعي على الصعيد الأسري والعملي والصحي والبيئي، عن طريق قوافل المعرفة المصممة لهذا الغرض التي تحمل عدة حقائب ذات رسائل توعوية وتثقيفية وتربوية ونفسية هادفة تنبع من نفس تخصصات الجامعة الاكاديمية. ويأتي الدرع الثالث «مُتاح» الذي يعني بتسهيل الشيء، إلى إتاحة الفرصة لذوي الاحتياجات الخاصة ومن لديهم قصور أو محدودية في الحركة أو تعطل في البصر للوصول لغايتهم بأنفسهم دون الحاجة لمساعدة الآخرين، والاندماج في المجتمع والمشاركة في دفع عجلة التنمية مثل أي فرد في هذا الوطن، وذلك من خلال عمليات مسح ميداني يقوم بها منسوبو الكليات الهندسية في الجامعة، للعمل على تذليل المعوقات المادية التي تحد من حركة ذوي الاحتياجات في البيئة العمرانية من مرافق عامة وخاصة ومراكز تجارية وترفيهية وصحية واجتماعية، لتصل المبادرة إلى هدفها بتحويل الأحياء والمدن إلى بيئة صديقة ومناسبة لاندماج ذوي الاحتياجات بكل كرامة وسلامة، ولأن مساحة المقال محدودة هنا بعدد معين، وحجم العمل ضخم والمبادرات التي بدأت مُشرفة حقاً، اُطالب وزارة الإعلام والثقافة من صحافة مقروءة ومرئية بتسليط مزيد من الضوء وإعطاء مساحة أكبر والعمل على شد انتباه المجتمع للأعمال الثقافية والمبادرات الجميلة التي تجري هنا، فمن العدل وباب أولى أن تُمنح كثيراً من الوقت والمتابعة… كما مُنحت كرة القدم!