لم تتح الهيئة العامة للسياحة والآثار ولا مركز «ماس» للمعلومات والأبحاث السياحية معلومات محدّثة عن أوضاع السياحة في المملكة، إذ كان آخر إحصائية عامة أتيحت تعود إلى العام 2011م، ما يعني أننا ونحن في نهاية 2013 لا تتوفر لدينا إحصاءات محددة عن واقع السياحة في المملكة. وتظل إشكالية غياب المعلومة المُحدّثة ، إشكالية تواجه الاستثمار في القطاع السياحي، حيث لا تتاح معلومات تسمح ببناء تصور عن مشاريع يمكن أن تحظى بتنافسية عالية في مواجهة المشاريع القائمة، وهي مسألة حاولت استراتيجية التنمية السياحية التي تنتهي بحلول العام 1441ه أن تعالجها حين نصت على سعيها لإنشاء جيل جديد من المؤسسات المساندة للتنمية السياحية في المناطق وتوفير الدعم المؤسسي والإطار التنظيمي لها، وحين أنشأت الهيئة التي وافق مجلس الوزراء على تأسيسها 14 عاماً، أجهزة للتنمية السياحية في مختلف المناطق، أسندت إليها، بالإضافة إلى المهام الموكلة لها، تقديم المساندة لمجالس التنمية السياحية في المناطق والتحضير لأعمالها واجتماعاتها. وحين تأسست الهيئة على فكر طموح للنهوض بالسياحة في المملكة، جعلت من مسؤولية مراكز خدمات الاستثمار السياحي توفير المعلومات حول الاستثمار السياحي ومعوقاته، فضلاً عن تقديم المساعدة للمستثمرين من خلال توفير معلومات إحصائية عن المشاريع الحالية وعرض الحوافز الممكن تقديمها للاستثمارات السياحية سواء من خلال الهيئة أو الجهات المعنية الأخرى، وتسهيل إجراءات الاستثمار واستقبال طلبات التراخيص للنشاطات والمهن السياحية. لكن هذا لا يتوفر حتى من باب التثقيف العام، خاصة أن إتاحته لا ينتج عنه خطر ما أو ضرر، بل يسمح بتوفير رؤية واضحة عن الواقع السياحي في المملكة، وبما يسمح للراغبين في خوض الاستثمار السياحي أن يكونوا أكثر دراية بهذا الواقع. ولعل آخر إحصاء أتيح حول واقع السياحة في المملكة بصفة عامة يعود إلى العام 2011 أما سائر الإحصاءات التي وفرها مركز «ماس» فهي تقارير ثانوية عن أربعة مهرجانات فرعية منها مهرجان حائل وينبع والورد الطائفي. لكن مؤشرات تقرير عام 2011 عن واقع السياحة في المملكة قد توحي بتصور ما حول مستقبل هذه الصناعة الناشئة. ولعل من أهم هذه المؤشرات، ما يتعلق منها بالغرض من الرحلات السياحية الوافدة، وأنماط إشغال الفنادق والوحدات السكنية، وارتباط ذلك بالإنفاق. ويبدو قطاع الإيواء هو الأنشط بين قطاعات السياحة على المستوى المحلي، وهو الأكثر استقطاباً للإنفاق السياحي، وإن كانت نسبة الإشغال السنوي للغرف وفق إحصاءات ذلك العام لم تتجاوز 62%، كما سجلت نسبة إشاغل الأسرة السنوي حالة قريبة من ذلك. ويبدو أن ثمة منحنى لا يمكن إغفاله يتعلق بالشهور التي ينشط فيها معدل إشغال الغرف، جاءت ذروته في شهر سبتمبر بنسبة 80% أعقبه أغسطس بنسبة 72.9% ثم نوفمبر بنسبة 68%. ولم تتح الفرصة لمعرفة السبب، لكن ربما يرتبط الأمر بشهور الحج وموسم العمرة. وتظل المدينةالمنورة هي الأوفر حظاً في معدلات إشغال الغرف، مقارنة بسائر مناطق المملكة، إذ ذكرت الإحصاءات أن معدل الإشغال فيها يقترب من 70% فيما سجل معدل إشغال الأسرة 60%. أما على صعيد الوحدات السكنية، فتصدرت الرياض المناطق الأخرى، بمعدل إشغال يقدر بنحو 82% فضلاً عن معدل إشغال للأسرة بلغ 72%. وبينات الإحصاءات أن إشغال الغرف في فنادق «أربع نجوم» بلغ 65.5% بينما سجلت فنادق النجمتين أقل معدل لإشغال الغرف ب 58.9%. ولعل من المؤشرات المهمة التي تعكسها الإحصاءات، أن إشغال غير السعوديين للفنادق يزيد على معدلات الإشغال من قِبل السعوديين بمقدار الضعف. فبينما يشغل السعوديون الفنادق لليلتين في المتوسط، فإن غيرهم يشغلونها بمعدل 4 ليالٍ. ويميل شاغلو الغرف إلى الخيار الأنسب اقتصادياً، وهو أمر منطقي، فحين ترتبط الرحلة بغرض يصنف على أنه من الرفاهية، كالسياحة الدينية أو للأعمال والمؤتمرات والتعليم والتدريب والرياضة، يتجه الزائر إلى الفنادق، وحين يختص الأمر بالاستجمام وقضاء العطلات والترفيه والتسوق يختار الزائر الأرخص وهي الوحدات السكنية، فيما يفضل القادمون للاستشفاء وزيارة الأصدقاء والأقارب السكن الخاص. أيضاً، كشفت الإحصاءات عن أن الرحلات السياحية الوافدة جاء أغلبها من خمس دول هي الكويت والأردن والإمارات والهند والبحرين تشكل ما مجموعة 8.5 مليون رحلة بواقع 48.6% من إجمالي الرحلات الوافدة، البالغ عددها 17.5 مليون رحلة. وتشير الإحصاءات إلى فاعلية مهرجانات مهمة على صعيد دفع النشاط السياحي، فقد استقطبت 22 مهرجاناً في العام نفسه نحو 10.2 مليون زائر أنفقوا 5.4 مليار ريال بمعدل إنفاق يومي 291 ريالاً لكل سائح. وبالتالي فإن مجمل هذه المؤشرات تعكس واقعاً لم يعرف حتى الآن كيف تتعامل معه الهيئة العامة للسياحة والآثار. فهل هي تلعب دوراً مهماً في التفاعل مع تلك الحقائق، أم تكتفي برصدها؟ وهو سؤال ينسحب على جميع التفاصيل المتعلقة بذلك. فإذا كانت المدينةالمنورة تمثل المنطقة الأعلى على صعيد إشغال الغرف والأسرّة، فإن السؤال الأكثر أهمية المتعلق بها هو هل أتاحت الهيئة آليات للاستفادة من هذا الواقع، كأن تخصص لشاغلي تلك الغرف برامج تستفيد من وجودهم في المدينة لمضاعفة الإنفاق السياحي لهم؟ ولا يمكن إهمال حقيقة أن 26.7% من الرحلات السياحية الوافدة تستغرق الإقامة فيها ما بين نصف شهر إلى شهر كامل. وهي نسبة مرتفعة جداً، ربما ارتبطت بموسم الحج والعمرة. في حين تستقطع الرحلات التي تدوم ما بين 8 – 14 ليلة بنسبة 20.9% تليها تلك التي تستغرق من 1 – 2 ليلة بنسبة 17.8% وأخيراً الرحلات التي تتراوح مدة الإقامة فيها بين 4 – 7 أيام بنسبة 15.8%. وإذا كانت الرياض الأعلى في الإشغال للوحدات السكنية المفروشة بين المناطق، فهل تملك الهيئة تفسيرات لذلك، وهل يعني هذا أن غالبية شاغلي هذه الوحدات هم من السعوديين على اعتبار تفضيل السعوديين للوحدات السكنية مقارنة بغيرهم؟ وهل يعني ذلك أن الهيئة وضعت برامج للاستفادة من هذا الواقع. أما على صعيد الدول الأكثر حضورا ًعلى صعيد الرحلات الوافدة بين سائر الدول، فلم تتوفر تفسيرات ولا معلومات من قبل الهيئة حول برمجة آليات للاستفادة من وافدي تلك الدول، وزيادة أعدادهم ومعدلات إنفاقهم. وهل لديها تصورات عن كيفية تنشيط الوافدين من دول أخرى غير تلك الدول الخمس؟ وفي الوقت نفسه، تثار تساؤلات عديدة حول أسباب التفاوت النسبي بين عدد الليالي التي يقضيها السعوديون وغير السعوديين في الفنادق. فكيف استفادت الهيئة من هذا الواقع، وما فرص زيادة معدلات ليالي الإقامة بالنسبة للسعوديين وغيرهم. وهل الأنسب لذلك هو تخفيض معدلات تكلفة الغرفة في الليلة الواحدة، أم تنظيم عروض لرفع جائبيتها، ومن ثم تحقيق عائدات أفضل. ويمكن في هذا الصدد تفهم أسباب تفوق الفنادق ذات «الأربع نجوم» على غيرها في معدلات الإشغال، وهو ما يمكن ردّه إلى انخفاض أسعارها. أو توفرها. ولم تفسر الهيئة في الوقت نفسه الأسباب التي تجعل نسبة القادمين إلى المملكة براً منخفضة إلى الحد الذي يمثل 26.4% من إجمالي الرحلات الوافدة، على الرغم من أن المملكة مرتبطة برياً بعدد لا بأس به من الدول. فهل يتعلق ذلك بحالة الطرق أو طولها وما ينتج عنها من مشقة، أو لسهولة ومزايا الرحلات الجوية التي تصل نسبتها إلى 62.7% من إجمالي القادمين عبرها. ولماذا تضاءلت نسبة القادمين بحراً إلى هذا الحد المذهل الذي يقدر بنحو 0.02%. والمتأمل للمعلومات التي تتيحها الهيئة العامة للسياحة سيعييه ضعف إمكانات الوصول ويسر الاستخدام، في الوقت الذي كان يجدر أن تتاح المعلومات بنظام وكثافة وحداثة أكبر من الحاصل في موقع الهيئة. فمتصفح الموقع، وكذلك الحال بالنسبة لموقع «ماس»، قد يقضي أكثر من نصف ساعة في البحث عن المعلومة المناسبة له، وقد لا يجدها. على الرغم من أن الهيئة تتيح قدراً لا بأس به عن المواقع السياحية في المملكة. وفي الوقت الذي سجل فيها مهرجان حائل حضوراً مميزاً على خريطة المهرجانات السعودية بواقع 68515 زائراً خلال دورته التي انعقدت في هذا العام 2013 ، بزيادة تقترب من 65% مقارنة بالعام السابق عليه، فإن الهيئة لم تتح معلومات حول أسباب عدم تكرار مثل هذه الفعالية في مناطق أخرى، خاصة بعد النجاح الذي حققه المهرجان. وإن كانت الإحصاءات تشير إلى انخفاض في متوسط إنفاق الفرد في 2013 خلال المهرجان مقارنة بالعام السابق عليه. أما مهرجان الورد الطائفي، فلم يتجاوز عدد زواره ثلث زوار مهرجان حائل خلال العام نفسه، بواقع 26486 زائراً، علماً بأن عددهم انخفض بشكل ملحوظ مقارنة بالعام السابق عليه بنسبة 48%. كما سجل الإنفاق الفردي انخفاصاً قدِّر بنحو 3%. وبينما يفترض في مركز المعلومات والأبحاث السياحية ماس أن تتوفر لديه معلومات تفصيلية عن مختلف مجالات السياحة في المملكة، فإنه يقر بعدم توفر معلومات لديه عن المواقع الأثرية والتاريخية في المملكة. ووضعت الهيئة من خلال مشروع تكامل لتنمية الموارد البشرية العاملة في السياحة عشرة أدلة تدريبية في مجالات الحجز والتذاكر، والإرشاد السياحي ومحاسبة السفر والسياحة وتصميم البرامج السياحية فضلاً عن خدمة العملاء والشحن الجوي والحجز السياحي والتسويق والمبيعات إضافة إلى خدمات الركاب بالمطار. وتبدو تلك الأدلة شاملة لمختلف الوظائف المتاحة بالقطاع السياحي وتوفر قاعدة معلومات متكاملة للعاملين فيها. لكنها لم تتح معلومات حول مردود تلك البرامج التدريبية على تطور القوى البشرية العاملة في قطاعات السياحة المختلفة. ودون تفسير لهذا الغياب. لكن مدير عام مركز تنمية الموارد البشرية السياحية (تكامل) الدكتور عبدالله الوشيل كشف في تصريح سابق لإحدى الصحف مؤخراً عن توقعات نسبها لمركز «ماس» أشارت إلى أن إجمالي عدد الوظائف بقطاع السياحة سيصل بحلول عام 2020م إلى حوالي 1.7 مليون وظيفة منها 1.2 مليون وظيفة مباشرة، وحوالي نصف مليون وظيفة غير مباشرة. ولم يتح مركز «ماس» تلك الدراسات للعامة، وربما أتاحها ولكن دون سهولة حالت دون الوصول إليها.