طرحت وزارة التربية والتعليم فكرة التقاعد المبكر للمعلمات كوسيلة لتوفير بدائل لتوظيف المعلمات تتيح عشرات الآلاف من الوظائف بعد تشجيع شاغلات الوظائف التعليمية على التقاعد المبكر، أولاً من خلال مبادرة 15+5 التي تحدثت عنها نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون البنات نورة بنت عبدالله الفايز قبل عام، وتحديداً في ربيع الأول 1434ه، ثم من خلال مبادرة 25+6 التي تدرسها لجنة متخصصة في الشورى في الوقت الراهن. ورغم أن إضافة سنوات تتراوح بين 5 أو 6 لمدة الخدمة الفعلية للمعلمات تشكل عرضاً مغرياً لتشجيع المعلمات على ترك وظائفهن لغيرهن، فإن المطروح الآن يواجه مقاومة حقيقية من مؤسسة التقاعد التي ترى فيه إثقالاً لأعبائها المالية التي تخطتها بالكاد من خلال خطط استثمارية استطاعت أن تغطي مستحقات الرواتب التقاعدية، وقد يلحق هذا مقاومة من المالية أيضاً على اعتبار أن التقاعد المبكر للمعلمات قد يكلف في المتوسط نحو 75 مليوناً تدفعها مؤسسة التقاعد لهن شهرياً. وتشير أحدث الإحصاءات التي أتاحتها وزارة التربية والتعليم، وهي تتعلق بالعام 1432 – 1433ه، إلى أن إجمالي شاغلات الوظائف التعليمية في جميع المراحل بالتعليم العام بلغ 260 ألف معلمة سعودية من أصل 263 ألف معلمة، منهن 115 ألفاً يعملن في المرحلة الابتدائية و62196 في المتوسطة و55220 في الثانوية و4414 في ثانوي المقررات و3247 في التربية الخاصة و7894 في تعليم الكبار فضلاً عن 11162 في رياض الأطفال. ووفقاً لنشرة وزارة الخدمة المدنية الصادرة في محرم 1435ه، فقد بلغ عدد العاملين على سلم رواتب الوظائف التعليمية في الدولة نحو 504265 موظفاً وموظفة بما يوازي 44.1% من إجمالي الموظفين السعوديين في الدولة البالغ عددهم 1141006 حتى 29 ذي الحجة الماضي. ودلت إحصائيات الوزارة على أن عدد الموظفين على الوظائف التعليمية من السعوديين الذين تركوا الخدمة في الفترة من 1 محرم 1434 وحتى 29 ذي الحجة 1434ه بلغ 19302 موظف ومستخدم بينهم 9200 موظف في التعليم منهم 5749 موظفة. ما يعني أن نسبة من تركوا الوظائف التعليمية من المعلمات السعوديات بلغت 64.2% من إجمالي المتقاعدين في التعليم. أما إحصائيات المؤسسة العامة للتقاعد، فأشارت إلى أن أعداد المتقاعدين حسب سلم الوظائف التعليمية بلغ في 2011 حوالي 64843 متقاعداً وزاد في 2012 إلى 73669 بنسبة 13.6%. ووفقاً لإحصائيات المؤسسة فإن أعلى معدلات التقاعد المبكر لشاغلي الوظائف التعليمية سجلت لدى من بلغت سنوات خدمتهم بين 26 – 30 سنة أعلى نسبة من أعداد المتقاعدين وبلغت 22.2%، فيما بلغت نسبة من تراوحت سنوات خدمتهم بين 21 – 25 نحو 19.2%، وسجلت من قل عدد سنوات خدمتهم عن 5 سنوات 3.4% وهي أقل فئة. وحتى عام 2012 بلغت نسبة من أحيلوا إلى التقاعد المبكر (في جميع الوظائف الحكومية) ممن تتراوح فترة خدمتهم بين 16 – 20 سنة نحو 11% من إجمالي المتقاعدين مبكراً في المملكة، فيما يشكل من تتراوح سنوات خدمتهم بين 21 – 25 نحو 28% وهي النسبة نفسها التي تمثلها فئة 26 – 30، فيما تنخفض النسبة إلى 26% لمن تتراوح سنوات خدمتهم بين 31 – 35 سنة، بينما تصل إلى 5% لمن تتراوح خدمتهم بين 36 و40 سنة وتصل إلى أدناها لمن تجاوزت مدة خدمتهم 40 سنة بنسبة 1%. وإذا كانت وزارة التربية والتعليم تشجع المعلمات على ترك وظائفهن والتقاعد المبكر بعد مرور 15 سنة من العمل بإضافة 5 سنوات إلى مدة الخدمة، فإن معنى ذلك على سبيل المثال أن من بلغ راتبها الأساسي 10 آلاف ريال بعد مضي 15 سنة على تعيينها، سيزيد راتبها التقاعدي عن المستحق البالغ 3750 ريالاً إلى 5000 ريال بزيادة 75%، على أساس احتساب راتبها الأساسي مضروباً في عدد شهور الخدمة ومقسوماً على 480 وهي المعادلة التي تطبقها مؤسسة التقاعد. أما في حالة الاقتراح الذي يدرسه الشورى، وهو إضافة ست سنوات لمدة خدمة المعلمة البالغة 25 سنة، فإن راتب المعلمة (على سبيل المثال) إذا بلغ 12 ألفاً بعد مضي 25 عاماً على تعيينها، سيزيد عن راتبها التقاعدي المستحق وهو 6250 ريالاً، ليصل إلى 7750 ريالاً. ما يعني أن الراتب التقاعدي للمعلمات في الحالتين سيزيد بنحو 1500 ريال في المتوسط (تزيد حسب زيادة الراتب الأساسي) وإذا كان متوسط سنوات الخدمة في سلم الوظائف التعليمية يبلغ 29 سنة، فإن ما نسبته 19% من المعلمات اللاتي تتراوح مدة خدمتهن بين 21 و25 سنة أو ما يوازي خمسين ألف معلمة سيبلغ إجمالي مستحقاتهن التقاعدية الإضافية وفقاً للمبادرة التي يدرسها «الشورى»، ما يقترب من 75 مليون ريال شهرياً. وهو ما يوازي الإضافة التي تقدر بنحو 1500 ريال في المتوسط للمتقاعدات. وربما يفسر ذلك إحجام مؤسسة التقاعد عن دعم تلك المبادرات لما تشكله من عبء عليها. وفي الوقت نفسه، ثمة تضاؤل في جدوى هذا التقاعد المبكر المدعوم بإضافة سنوات إضافية لمدة الخدمة؛ حيث إن المتقاعدات مصنفات في مستويات وظيفية متقدمة، مقارنة بالموظفات الجديدات اللاتي سيتم تعيينهن في المقابل. فإذا كان متوسط ما تحصل عليه معلمة أمضت 25 عاماً في التعليم هو 10 آلاف ريال كراتب أساسي، في حين يبلغ متوسط راتب معلمة حديثة 6 آلاف ريال، فإن توفير 50 ألف وظيفة نتيجة للتقاعد المبكر يعني إتاحة نفس القدر من الوظائف للمعلمات الجديدات بما يكلف 300 مليون ريال، في حين أن إجمالي من تم تعيينهن من المعلمات في الفترة من 1 محرم 1434 وحتى 29 ذي الحجة 1434ه بلغ 10690 معلمة، فإن كان متوسط راتب المعلمة عند بدء تعيينها هو 6 آلاف ريال، فإن المبلغ المقدر لرواتبهن يبلغ 64 مليون ريال. وهو ما يعني أن الفارق المدفوع للمعلمات المتقاعدات وفقاً للاقتراح الذي يدرسه الشورى يزيد عن إجمالي المدفوع حالياً لجميع المعينات خلال 1434ه، وهو ما ستتحمله «التقاعد» دون مردود. وتبدو الصورة بهذه الطريقة كمية أكثر من كونها نوعية؛ إذ سيسهم التقاعد المبكر في رفع عدد المعينات الجديدات بنحو خمسة أضعاف، في حين سيتطلب رفع مخصصات المعينات الجديدات من 64 مليوناً إلى 300 مليون، ورفع مخصصات المتقاعدات مبكراً من 312 مليوناً إلى 387 مليوناً، بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 311 مليوناً سنوياً، وهي أرقام ضخمة تتطلب حسابات عميقة وربما يجعلها ذلك مسألة صعبة التحقيق على المستوى المنظور، بل قد تدخل في نطاق التخطيط خلال الخطة الخمسية المقبلة وليست الخطة العاشرة الحالية. وبعيداً عن الأرقام وتعقيداتها، تشير الحالة الراهنة للمعلمات المعينات عبر الخدمة المدنية، إلى أن حلول معالجة البطالة الحالية في أوساط الخريجات قد لا تبدو في التقاعد المبكر، رغم أنه يبقى فكرة مثالية، وإنما في تنمية ميزانية التعليم في السنوات المقبلة لتستوعب مزيداً من المعينات على مستويات الخدمة المدنية الستة في مجال سلم الوظائف التعليمية، لاستيعاب التدفق المستمر للخريجات الداخلات إلى سوق العمل سنوياً. ولا يعرف في حال تطبيق مبادرة الشورى أو التعليم للتقاعد المبكر، إنْ كان ذلك سيقتصر فقط على الوظائف التعليمية أم سيتطرق إلى سلالم الوظائف الأخرى خاصة التعليم الجامعي والوظائف الطبية. وجميعها يتطلب دراسات متأنية وتخطيطاً قد يكون محوراً لجهود كبيرة من قبل مجلس الشورى ووزارات التربية والتعليم والصحة والتعليم العالي والخدمة المدنية، والمالية فضلاً عن مؤسسة التقاعد، فكم سيستغرق ذلك من الوقت؟