لا أحد يختلف مع أحد على أهمية التكريم في صنع حافز نحو العطاء ودافع نحو العمل، وأن التكريم سواء كان مادياً، أم معنوياً كشهادات التقدير، يزيد من حجم العطاء عند المُكرّم، وينمّي حجم انتمائه لمنظمته أياً كانت، ويفسح له الطريق صوب الإبداع لأنه يشعر بأن هناك من يقدّر جهوده ويراقبها، وكما قيل شعراً «بذلوا جهوداً تستحق إشادة/ وسموا سمو الصادق المقدام». لكن هناك تكريم سيئ، أو لا طعم له، تشهده مدارسنا بين فترة وأخرى، مثل إقامة حفل تكريم، أو إعطاء شهادات شكر، لجميع العاملين في المدرسة، من عمل، ومن لم يعمل، فيتساوى على منصة التكريم المجتهد والمقصّر، الناجح والفاشل، المتفاني والمهمل، وهذا -مع الأسف- يحدث في أغلب (مدارسنا)، بحجة أن المدير «محرج» من الزملاء المعلمين، فيدفعه ذلك إلى تعميم التكريم والشكر لجميع زملائه، فيكرّم المعلم المجتهد الذي قدّم جهداً بارزاً، وتعب وقدّم لطلابه أساليب تدريسية متنوعة، ودفع من جيبه الخاص المال ليحضر لهم هدايا وجوائز تشجيعية، وربما وسائل تعليمية (وهذا يستحق التكريم فعلاً)، وكذلك يكرّم المعلم الذي لم يقدّم ما يشفع له أن يتناول شهادة شكر، أو خطاب تقدير. هنا تقع الكارثة التي لا يتوقعها مدير المدرسة، وهو أنه بدلاً من أن يحفّز المعلمين المميّزين على العطاء والعمل، وتقديم مزيد من الإبداع من خلال تقديرهم، وتتويج جهدهم بهذا التقدير اللائق بهم، يجد أنهم خرجوا محبطين يلوحون بشهادات التقدير كما لو كانوا ينفضون عن وجوههم غبار العار، وعرق الخجل، حينما يلتفتون خلفهم إلى «طابور» المُكرّمين، فيرون زملاءهم الذين يعرفونهم حق المعرفة، يكرّمون معهم رغم أنهم لا يعترفون بالأساليب الحديثة في التدريس، وأنهكوا زملاءهم في المدرسة من كثرة الغياب، وبجداول الانتظار بدلاء عنهم، ومارسوا أدوار التثبيط والتحريض، ويرون أغلب متطلبات العمل التربوي من سجلات ووسائل (شكليات)، أو كما يقول بعضهم (كذبات)، يرونهم معهم يكرّمون مثلهم، ويحملون نفس الشهادات بالصيغة ذاتها، ويرفعون نفس الدروع المصممة بالشكل الموحد للجميع. كم من اليأس والإحباط يتسلل إلى نفوس المعلمين البارزين الفاعلين، حينما يرون أنهم لم يتميزوا في شيء عمن كانوا مثالاً للتسيب والإهمال، أو الجمود والتقليدية، والسبب، أن مدير المدرسة ساوى بينهم وبين زملائهم المقصرين، ويرى أن أسهل طريقة هي أن يكرّم جميع منسوبي مدرسته «ويريح دماغه»، ويخرج من الحرج. هذا مفهوم خاطئ، ينبغي أن يصحح، وإن كان بعض المديرين يبررون ذلك بقول: «أريد أن أشجع المعلمين»، هذا غير صحيح. سمعت أن مديرة مدرسة لديها قاعدة تعلنها لمعلمات مدرستها: «يا أكرمكنّ جميعكنّ يا تجلسنّ بدون تكريم!»، وحقيقة هذه سياسة فاشلة، فلم يدر مدير المدرسة، ومن كان هذا نهجها من مديرات المدارس، بأن المعلمين المميزين، وكذلك المعلمات البارزات، يصيبهم الإحباط بالفعل، لأنهم متساوون مع المعلمين المقصّرين، والمعلمات المقصّرات، ولم يشعروا بتمييز عنهم، «وقيمة كل امرئ ما يحسن»، فمن المفترض أن يقال للمحسن: «أحسنت»، ولمن قصّر: «راجع حساباتك»، ولعل عدم تقديره رسالة واضحة له. أو أن يلجأ المدير والمديرة إلى (تخصيص التكريم) في الموقف أو الجانب الذي تميّز فيه المعلم/ المعلمة مثل إدارة الصف، البيئة الصفية، التميّز في طرائق التدريس، الانتظام في المحافظة على الدوام، التعامل التربوي مع الطلاب، التطوير والحرص على الدورات، المشاركة بأفكار تربوية أو مشاريع أو مناشط لها عوائد تربوية على الطلاب… إلخ، هنا يكون الأمر مقبولاً، ولن يحبط المتميّز لتخصيص التكريم، وسيحرك المقصّر ليلحق بركب التميّز لشعوره بحراجة موقفه، لعدم تميّزه في شيء يكرّم لأجله.