نظّم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة مؤتمر (الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية .. رؤية من الداخل) الأسبوع الماضي. ولقد ركز متحدثون وباحثون خليجيون على أن أمن الداخل هو الأساس لأمن دول المنطقة بأسرها. وأن مُهددات الأمن أصبحت عابرة للحدود. كما دعا آخرون إلى ضرورة إلغاء المُسَلمات التقليدية لأمن المنطقة، وعدم «الاتكاء» على حماية الولاياتالمتحدة وحلفائها لصيانة أمن المنطقة، وضرورة تحديد مفهوم استراتيجي شامل لأمن المنطقة أشبة ب(حلف الناتو)؛ لأن التعاون بين دول المجلس -وإن تجاوز عامه الثلاثين- لم يعد يفي بمواجهة الأخطار المحدقة بهذه الدول، كما جاء على لسان مستشار ملك البحرين للشؤون الدبلوماسية د. محمد عبدالغفار. كما عبّر الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، عن أهمية التعامل بوعي وحرص شديدين مع التحولات والتغيرات الدولية، وأشار إلى أنه رغم أن أمن منطقة الخليج هو قضية أمن دولية لأهميتها الاستراتيجية وأهمية مصادرها الطبيعية للعالم أجمع، فإن مسؤولية الحفاظ على أمنها واستقرارها تقع -أولاً وأخيراً- علينا نحن أبناء المنطقة دولاً وشعوباً، عرباً وعجماً؛ لأننا جميعاً أصحاب مصلحة في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي. وأشار الفيصل إلى أن سياسة إيران تمثل تهديداً للأمن الإقليمي، ملمحاً إلى المناورات العسكرية التي أجرتها إيران قبل أسبوعين في مياه الخليج، وتهديداتها بإغلاق مضيق (هرمز) في حال فرض عقوبات على تصدير النفط الإيراني. أما ضاحي خلفان، قائد عام شرطة دبي، فقد أشار إلى تراجع ثقة شعوب دول المجلس بالدور الأمريكي في المنطقة. كما رأى أن إيران تهدد الأمن الإقليمي بتأجيجها للنزاعات والخلافات الطائفية.وتطرق الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدكتور عبداللطيف الزياني، إلى الهدف الاستراتيجي الأسمى للتعاون بين دول المجلس، وهو تحصين دول مجلس التعاون الخليجي ضد جميع المخاطر المتمثلة في التهديدات الدولية، مثل العدوان الخارجي، والإرهاب، والاضطرابات المدنية الداخلية، والأنشطة الإجرامية الخطيرة المنظمة العابرة للحدود، مؤكداً على الحاجة إلى تعاون شامل وممنهج بين جميع الأطراف. كما تساءل عن الاستراتيجية المعتمدة مع الدول الصديقة في دعم دول المجلس لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة. نحن نعتقد أن البحوث الأمنية واللقاءات الفكرية بين أبناء المنطقة توفر فرصة لتحديد الاتجاهات والمستلزمات، وتجعل أبناء المنطقة شركاء فاعلين في قضية الحفاظ على الأمن في بلدانهم . كما أن تلك البحوث وتلك اللقاءات توضح الصورة للقائمين على الأمن، وتزيل بعض المشاهد غير الواضحة من مفهوم الأمن الوطني. صحيح أن الوزارات المعنية توفر الأمن المطلوب، ولها قصب السبق في هذا المجال، ولكن مع ازدياد أشكال الأخطار وتنوع مصادر التهديد للأمن الخليجي، أصبحت الحاجة ماسة إلى رؤى مستقبلية واضحة لمفهوم الأمن. ولقد شعرَتْ دول المجلس بالحاجة الملحة للأمن -بعد تعكّر الأمن في بعضها- واتخذت كل دولة إجراءات خاصة بها على شكل اتفاقيات مع الدول الصديقة -كما هو معروف- ولكن التطورات الجديدة فرضت واقعاً جديداً يحتّم أن يضطلع أبناء المنطقة بدورهم في قضية الأمن كما أشار إلى ذلك الأمير تركي الفيصل، لا أن تستمر «ثقافة» الدفاع بالوكالة عن هذه الدول!؟ رغم أن استمرار تدفق النفط مطلب دولي ملح، ورغم تعهدات الدول الكبرى بالحفاظ على الأمن بشكله العام، دون الدخول في التفاصيل. ولكن توجد محطات أو أزمات في مسيرة أي نوع من التعاون -حتى مع الدول الكبرى- وهذه الأزمات تفرض نوع الحماية وحجمها وزمنها. لقد تجاوز مفهوم الأمن الرقابةَ على معاش الناس وأساليب حياتهم ونوعية أفكارهم، بل وآرائهم المنشورة في الإعلام، وأصبح المفهوم أكثر اتساعاً من الرؤى الضيقة التي تضع صاحب الرأي -الذي قد يخالف غيره من أصحاب الرأي- في خانة «تعكير» الأمن الوطني، وغيرها من التهم الجاهزة التي عادة ما تُلحق بأصحاب الرأي. ونظراً لتطور وعي المجتمع الخليجي، فإن مساحة الرأي قد اتسعت، ونرجو لها المزيد في كل الدول؛ لأن المواطن الخليجي قد جُبل على حب مصلحة مجتمعه، ولم يحدث أن لجأ إلى العبث بمقدرات الأمة، أو الإخلال بالأمن .. وهذه حقيقة! فكل آراء المفكرين والمصلحين والمبدعين -في المجالات المختلفة- تصب في خانة تطوير مجتمعاتهم وعدم تثويرها، كما حدث في البلدان التي لم تتناغم مع شعوبها، بل ولم تعامل تلك الشعوب المعاملة الإنسانية الكريمة. كما أن المجتمع الخليجي لم يتعود على ثقافة العنف والإكراه، ودوماً كانت مجالس الحكام مفتوحة لعامة الشعب، يقصدها كل من لديه قضية أو مسألة، حيث يحلها الحاكم حسب رؤيته. وهذا لم يحدث في أنظمة الحكم العربية، حتى تلك التي أنشأت برلمانات ومجالس للشعب! لذلك فإن رؤية جديدة لمفهوم الأمن يجب أن تتوفر، بحيث لا يتم الخلط بين حقوق المواطنة وبين الخروج على القانون. وأن تشريعات يجب أن توضع لتحدّد مفهوم الأمن وخروقاته، وكذلك تلك المعنية بحقوق المواطنة وتبعاتها. حيث تسود لغة العدالة والكرامة الإنسانية والتسامح، بعيداً عن الإقصاء والنبذ أو الانحياز الطبقي والطائفي الذي يمزق أبناء البلد الواحد. وهذا ما يوفر مناخ الوئام الوطني، ويعاضد جهود الدولة في توفير الأمن للجميع.