يتصف المجتمع السعودي بقدر كبير من الخصوصية التي أشغلته وجعلت غيره ينشغل به وبخصوصيته التي يدخل في بنائها -إلى جانب المحافظة- شبكة معقدة من الضوابط الاجتماعية، وهي تتعدد وتتنوع، ومنها مثلاً كمدخل للاستطراد: تحديد الأدوار وقت اللزوم وفقاً للمكانة الاجتماعية وخلاف ذلك من الأمور المتصلة..، هذه الضوابط التي يعتمد عليها في إثبات خصوصية المجتمع لم تمنع هوس حب الظهور الإعلامي والبحث عن الوجاهة من اجتياح شرائح واسعة من العامة، وتحديداً التواقة لقلب وجه المنزلة الاجتماعية، أي مكانة الآباء والأجداد، ومحاولة تعديلها إلى الأعلى، معها أيضاً الشرائح المتخلفة تعليمياً أو غير القادرة على إثبات الحضور في الساحة الثقافية ومسارات الحراك النافع المتناغم مع معطيات المرحلة. في المتداول العام، هذه الظاهرة توازي في حجمها الحجم الضخم لمشايخ الدين وقراء الفناجين المنتشرين دون ضوابط في شاشات الفضائيات الخاصة التي ترتبك حول نفعها وحسن نواياها أدلة النفي والإثبات، رغم أن الواقع يقول: المؤشر على مقربة من حدود النفي. الظاهرة المتصاعدة الانتشار في الوقت الراهن والمتمثلة في هوس الظهور الإعلامي بمقابل مادي تنطلق في البداية من نوافذ المناسبات التي تقام على هامش مناسبات عامة، أو المناسبات الخاصة والأنشطة الاجتماعية التي تُدعى لها القنوات الخاصة لتغطيتها إعلامياً مع الالتزام بدفع الفاتورة، وفيها تُستغَل اللحظات بترتيب مع فريق العمل كما أظن، لتكثيف الضوء في زوايا معينة من المشهد، ومن الشواهد التي يسهل رصدها ما يمكن ملاحظته من استعدادات شخصية للاستعراض وما يُلحظ من أحداث تنبئ بوجود تفاهم مسبق مع عدسات التصوير والتوثيق لإبراز الحدث تحت عناوين أغلبها يتمرد على الواقع وحقيقة المكانة الاجتماعية، وفيها يتم التركيز على بعض الشخصيات لدواعي التجميل. أمام هذه الظاهرة لابد للأسئلة المشروعة وغير المشروعة أن تتحرك وتتنوع، ومن المتوقع أن تتقارب الإجابات في اتجاه الإجابة الواحدة من حيث المبدأ. وفي التعليل والشرح يمكن اختصار أو اختزال كل الإجابات في قالب من السخرية أو على ظهر محمل التندر من حيث إن المسألة في شكلها ومضمونها تندرج تحت ما يسمى ب «الشعور بالنقص» وهذا إلى حد بعيد يختصر المسافة في تشخيص العلة. في السابق كان ظهور مشايخ القبائل وبعض المتفق على وجاهتهم تحت بند الاعتراف المقطوع إما لمكانة مادية بحتة وهي الأكثر شيوعاً، أو لصيت زرعه القرب من النُّخَب في نفسية بعض فئات المجتمع المهيأة أصلاً لتقديس مرتبة «الخوي» واستقبال ثقافته. أقول كان ذلك مقبولاً إلى حد ما مع ما يتخلل بعض المواقف من السماجة التي يزيلها التقادم بحكم تباعد المناسبات وانشغال الناس. واليوم نجد أن الأمر مختلف، والملاحظ أن ثمة حراكاً اجتماعياً متصاعداً بعشوائية، -وتحديداً الطبقي- دون جدران تمنعه أو أسقف تضبط حدوده، والمناسبات متقاربة ويمكن أن تُختلَق تحت أي مبرر والذاكرة الرقمية أرشيف يمكن العودة إليه في أي وقت لتكرار الاستعراض وإثبات الذات في إطار من التباهي. قد يقول قائل، إن الأمر في مجمله محصور في قاع السُّلَّم الاجتماعي الذي أصبح يتحرك بقوة نحو الصعود إلى الدرجات العليا بلا ضوابط، وفي هذا تمرد على الأعراف والتقاليد، بالنسبة لي أقول هذا طبيعي الحدوث وهو في نظري من أدوات كسر هيبة المشيخة القبلية التي أصبحت رمزاً للتوريث، ومن أكثر المشاهد التي أتوقف عندها مشهد الصراع بين هاتين الفئتين؛ لأن الاستنتاجات تقود العقل إلى بحث كينونة المجتمع ومكوناته من زاوية يستظل القلم بظلها في حالة مشاغبة. ولعل مثل هذه القضية محل نظر الأوساط البحثية المهتمة بالتفكيك والدراسة، لكنني كثيراً ما أعرِّج على حضرة جناب الذي لم يقتنع بعدُ بأن العالم تغير وفي طريقه إلى التغيير الأكبر رغم المقاومة. الخلاصة، إن الهرولة في اتجاه الظهور الإعلامي مدفوع الثمن والبحث عن المشيخة من قبل بعض الفئات، ظاهرة مُكلفة في سوق الأضواء الباهتة وفي أعقابها انعكاسات في مقدمتها تضخيم ذوات أبنائهم بالتغرير وتوريم أسرهم بالمغالطات، ومن شأن هذا أن يرحِّلهم إلى مناطق الوهم بهوية التسطيح التي لا تستطيع مواجهة الوعي ولا تقوى على التصادم مع ثوابت التاريخ.