نحب الصراحة ونتحدث بها ونبحث عنها ولكن مع الأسف قليلٌ هم الذين يتعاملون بها في حياتهم مع الناس. نكره الظلم، نرفض أن نراه بيننا، ولكن بعضنا لا يشعر بأنه ظالم، لأنه يرى أنه هو العدل. نتحدث عن الحب وصدق التعامل، فنجد أن أفعالنا لا تشير إلى هذا الحب ولا إلى حسن الخلق، بل نجد أفعالنا تتمثل في الكراهية، في حب الذات، في الأنانية. نحث أبناءنا على مساعدة الآخرين، وعلى التحلي بالأخلاق الفاضلة، ونرفض نحن أن نتقيد بذلك، مع أننا نعلم أننا نمثل القدوة لهؤلاء الأبناء، فكيف نريد تعليمهم مكارم الأخلاق ونحن بعيدون عنها وعن التقيد بها؟!. كثيراً ما نتحدث عن الموت، عن يوم الحساب، وعن أهوال يوم القيامة ويغشانا الخوف والرعب عند تذكر ذلك الموقف العظيم، ولكن لنسأل أنفسنا ماذا فعلنا لكي نستعد لذلك اليوم؟! أعتقد.. لا شيء سوى التذكر والتخيل. نتكلم دائماً عن الأخوة، عن التلاحم والتقارب وصلة الرحم، وننتقد الآخرين، ذاك طيب والآخر سيئ الخلق، ونحن نمثل الصورة السيئة من خلال التنافر والتباعد وقطع حبال الوصل مع أقاربنا وأصدقائنا، ونجهل ذلك، ونعود ونبرر ذلك بأن مشاغل الحياة وهمومها هي السبب. نشتاق إلى الماضي، إلى السعادة، التكاتف، إلى ذلك المجتمع الأصيل الذي فقدناه حيث كانت العادات الطيبة والأخلاق الحميدة والمحبة التي عمرت بها قلوباً لا تعرف الكراهية ولا الخداع، وفي نفس الوقت نرفض أن نحاول مجدداً أن نعود إلى ذلك الماضي، وإلى تذكر ما هو جميل. الابن يقلّد أباه فيما يفعل، وهكذا نجد أننا نشكل أفراداً ينقصهم الحب والوفاء، فالكل ابتلي، في نظري، بعقدة اسمها النقد والكلام فقط، فنحن فعلاً نلمس ونشاهد كل هذه الصور غير المرضية، وتحدث أمامنا في كل لحظة، ولكن ما الذي فعلناه كي نلغيها من حياتنا؟، وما الذي فعلناه كي نبني مجتمعاً يقوم على الحب وعلى الصدق؟.. لا شيء، اكتفينا فقط بالنقد الجارح. تصيبك الدهشة ويعلو وجهك الاستغراب عندما تجد شخصاً يقوم بنقد آخر ويرفض تصرفاته ويوجه إليه عديداً من النصائح، مع أنه في الوقت نفسه يرتكب هو هذه التصرفات، والغريب أيضاً أن الشخص الذي أمامه يستمع إليه وينصت في انتباه تام مع أنه يعلم أن هذا الشخص الذي يخاطبه كان من الأجدر به نصح نفسه أولاً وقبل كل شيء. يستمر النقد من شخص لآخر ومن وقت لآخر، في وقت نجد أن ما يحدث يؤكد لنا بوضوح أننا أصبحنا نكذب حتى على أنفسنا أحياناً. وقفة: انتو اللي تغيرتوا ولا احنا مثل ما احنا احنا اللي تكدرنا تعذبنا ولا ارتحنا