بدأت ثقافةٌ التدليس و الخداع تنتشر في مؤسساتنا الحكومية انتشار النار بالهشيم ، و يهدف المسؤول من ممارسة هذه الثقافة و تبنيها إلى تحقيق مآرب شخصية ، و إطالة أمد الجلوس على الكرسي الدوار ، كما أصبح امتطاءٌ المسؤول صهوة الإ علام هوسٌ على حساب المؤسسة ومقدراتها ومكتسباتها و مخرجاتها ، حيث يعمل ليل نهار على إقامة العلاقات المتينة مع مسؤولي الإعلام في المؤسسات المختلفة وإغداق الحوافز و الهدايا عليهم وتقريبهم ليضمن عطوفة المسؤول إطلالة صباحية شبه يومية مبرزاً إنجازات مبالغ فيها، لم تعد ثقافة التدليس حالةً فردية يُغض الطرف عنها، بل غدت ظاهرةً يتطلب الأمر تعرية أبعادها وتوضيح تجلياتها و بيان آثارها . من مظاهر التدليس و الخداع في الإدارة العامة أيضاً هو الافتقار إلى المتابعة الفعالة و الحقيقية للإعمال الإدارية و المؤسسية نتيجة سيطرة شخص بمنفرده أو مجموعة صغيرة من الأفراد الذين ليس لديهم اختصاص أو مسؤولية على القرارات الإدارية الحاسمة و المصيرية ، و إشراف غير فعال من قبل المسؤول علي عملية صنع أو اتخاذ القرار ، و وجود هيكل تنظيمي معقد أو غير مستقر ، و وجود أوجه قصور في مكونات الرقابة الداخلية و الخارجية نتيجة تعيين أفراد ليس لديهم الكفاءة المهنية الواجبة ، و اعتياد الإدارة على تقديم وعود للموظفين أو المراجعين بتصحيح المسار أو بتحقيق نتائج مستقبلية غير واقعية أو طموحة أكثر مما يجب ، بالأضافة إلى السلوكيات الاستبدادية للمسؤول في التعامل مع الموظفين للتأثير على نطاقات العمل و مرجعاته لتمرير بعض المصالح الشخصية. من السلوكيات التي تشير إلى زيادة التدليس وارتفاع وتيرة الخداع في المؤسسات العامة و الإدارة الحكومية عدم الارتياح أو عدم الرضا عن المؤسسة أو طريقة معاملة مديرها للموظفين بشكل بعيد كل البعد عن النهج الإنساني حيث ينظر إلى المؤسسة أو دائرة و كأنها مرزعة أبيه ، كما إن التحولات و التغيرات في السلوك أو أسلوب الحياة في المجتمع ، و التغاضي عن مخالفات المسؤول بشكل دائم و دائب دون رادع يؤدي إلى ارتفاع باروميتر التدليس . لقد طال التدليس و الكذب و الخداع عند المسؤولين اللقب الناتج عن المؤهلات العليا، أو هوس (الدال) واغتصاب الشهادات العلمية ، فأصبح المسؤول يبحث عن حرف الدال و لو اقتضى الأمر بطريقة مزيّفة، أي عن طريق المؤسسات الجامعية الوهمية أو غير العلمية التي تقدم الشهادة مبسترة في أشهر قليلة وإن شئت في أسابيع معدودة ، و على قاعدة "حبل الكذب قصير" يتم اكتشاف الحقيقة سريعاً دون عقوبة رادعة من الإدارات العليا ، متناسين مقولة " من أمن العقوبة أساء الأدب ." والعجيب أن ثقافة التدليس و الخداع بدأت تذيع و تنتشر بالتزامن والتوازي مع أطروحات التشاركية و المؤسسية و الشفافية و الموضوعية و الصدق والصراحة و النزاهة و الإمانة وغيرها من المصطلحات و المفاهيم التي استطعنا نحن شعوب العالم الثالث وبجدارة و استحقاق استقبالها وهضمها وإعادة إنتاجها بشكل مشوّه لا ترضي الخالق و المخلوق ، بل وصل أمر ثقافة التدليس حتى في تقديم الفرد لذاته في المقابلات الوظيفية وفي مشاركته في الندوات و المؤتمرات و في كتابة السير الذاتية. لقد شوهت ثقافة التدليس و الخداع علم الإدارة و مبادئه إذ أفرغته من محتواه و مضمونه فالكل يتحدث بصوت مسموع عن فشل أو ضعف بعض الحلول الإدارية كالتطوير والتحديث و الجودة الشاملة ناهيك عن المدارس الإدارية مثل العلمية و الإنسانية و المركزية و البيروقراطية و الدكتاتورية ، ونذم هذه الحلول و هذه المدارس ونحن أولى بالذم ، فنحن وإياها كمن يحاول زراعة الفراولة في الجماجم ، فإذا فشلت زراعتها ألقينا باللوم عليها ولعنا من استوردها! متجاهلين أن المشكلة الحقيقية تكمن في البيئة التي زرعت فيها أو في أسلوب فلاحتها لا في الفاكهة أو الثمرة نفسها ! في تقديري أن ثقافة التدليس و الخداع يمكن التخلص منها أو التقليل منها إلى أدنى الحدود بالكفاءة و الإمانة ، فنحن لن نستفيد من القوي الخائن كما لن نستفيد من الأمين الضعيف! وأنا أقولها بكل قناعة و ثقة لقد عز اجتماع هاتين الصفتين وتوافر هاتين السمتين عند كثير من المسؤولين في مؤسساتنا العامة ودوائرنا الحكومية ، ولذلك تجد أن تطبيق كثير من مستجدات علم الإدارة في الجودة الشاملة أو الإدارة بالأهداف أو الإدارة بالنتائج أو غيرها و التي يتشدق بها كثيرمن المسؤولين فيها كثيرٌ من الصورية الخيالية وقليلٌ من الحقيقة الواقعية . الدكتور عويد عوض الصقور