رغم أن أصحاب ورعاة مشاريع الإسلام السياسي وجماعاته يلعبون في الوقت الضائع إلا أنه لا تزال هناك محاولات حثيثة ومستمرة لإشعال النار من الرماد من جديد. ليس هناك قلق من أوهامهم بأن في استمرار محاولاتهم الفاشلة أن يهتز استقرار المملكة، على أنه من المحزن أن يتم استغلال الدين عبر تحويل الإسلام من مضمون روحي وديني إلى مجرد أفكار أيديولوجية تتجه نحو طلب السلطة عبر تهديد الدول الآمنة والتأسيس لأفكار تحارب الحكومات. هذا التحويل للإسلام من دين دولة إلى دين حزب وجماعة بالقتل والتفجير هو ما يهدد الصورة المشرقة للإسلام عبر التسامح الذي رسخه أتباعه المعتدلون. إنّ ما آل إليه التوظيف السياسي للدين شكّل عامل إشعال لفتيل الإرهاب، وأجّج نوازع التوظيف السياسي المقابل لكل القيم الإسلامية التي استغلها الإرهاب، فأصبحت الذريعة واحدة لدى كل الفرق! مشكلة الانتهازية باسم الدين أنها تتجاوز تحويله إلى أداة للصراع السياسي إلى تبرير السلوك المناقض للدين من أجل نصرة الدين! فلا ضير من ممارسة سلوك مناقض للدين ما دامت الغاية النهائية هي الإسلام! من ناحية ثانية، فإن التدثر باسم الدين وتوظيفه لتمرير المصالح جعلا منه قوة مخدرة للعقول المعبأة أيديولوجياً فأصبحت غير قادرة على اكتشاف الحقيقة، بل وتحولت تلك الجماهير المعبأة إلى قوة رادعة أو مهاجمة لمن يهدد أو يمس مصالح السياسات الموظفة للدين حتى لو تعارضت تلك المصالح مع مصالحها العامة. فإن كان ثمة من تشابه شكّل تقاطعاً لالتقاء مصالح تلك الأطراف، الذي من المرجّح أنها قد تجاوزت به اختلافاتها العقدية والفكرية: ابتداءً من تنظيم القاعدة، والحركة الحوثية، داعش، والنصرة، والإخوان المسلمين وليس انتهاءً بحزب الله والسياسة الإيرانية - «الإسلام السياسي» - فهي تتمثل في التعبئة الأيديولوجية الشعبوية باسم «الدين»، وذلك باستخدام الدين في تعبئة جمهور المخاطبين من عامة الناس، وفي صياغة عقول أعضائها وقيادة تفكيرهم بالأصولية المسيّسة لحماية مصالحها وضمان بقائها ووجودها، واستغلال القيم الدينية وتحويلها إلى شعارات رنّانة في خضم الصراع السياسي وحتى رايات مرفرفة في معترك المواجهات الحربية والتخريبية. إن كان ثمة تحقيق هدف حقّقته حركات الإسلام السياسي في مشروعاتها الداخلية فهو "الاستغلال الأيديولوجي"، بحيث تضرب تلك الجماعات على أوتار الدين فتسحق المجتمع بسوط التأنيب لتدجّنه ضمن مشروعها السياسي والذي تحاول "تديينه" لأهداف تتعارض مع فكرة الدين الأخروية إلى تحقيق أهداف دنيوية بحتة وهي ذات الخطّة التي استخدمت إبان الثورة الإيرانية؛ حيث استغلّ قادة الثورة الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الإيراني آنذاك، ومنذ ذلك الحين وهذه الحيلة هي الحبل الرئيسي الذي تدخل من خلاله تلك الجماعات إلى تخوم المجتمع فتقوده قيادة مغناطيسية لاواعية فتجيّشه لنصرة أفكارها الخاصة وأهدافها السرّية والعلنية. هذه هي طريقتهم وحيلهم جميعاً؛ وإن كان ثمة فرق بين تنظيم وآخر فهو في الأولويات، كأولوية جماعة تخدع الشعوب الإسلامية بوهم وجوب قيام دولتهم الإسلامية التي ستحكّم بالشريعة، والبعض الآخر يخوض حرباً شعواء ضد بعض الدول التي تدين بالإسلام أصلاً أو هي تَحكم به وترعاه حقيقة وفعلاً، ولكن تشترك كل تلك الجماعات والتنظيمات في وهمٍ واحد هو "وهم الإسلام السياسي" الذي مضى على اختلاقه أكثر من قرن ونصف، وصدق من قال: "الأوهام تتلف العقول".. بل وتتلف التنظيمات أيضاً.!