تدهشنا جاهدة وهبي أولا بصوتها الجميل والقوي، تستغني عن الميكروفون إن أرادت ويمكن لصوتها أن يملأ فضاء شاسعا، وكثيرا ما يحدث أن تكون في بروفة، فيدخل موسيقيوها في متعة الاستماع إليها فينسون العزف جاهدة ليست فقط فنانة تطرب الأذن والمشاعر هي مثقفة من الطراز الرفيع، شاعرة، عاشقة لكل ألوان الفنون، وتنحدر من عائلة كل أفرادها مبدعون بشكل ما، والأجمل هذا التعاون بينهم لإنجاح أعمال بعضهم بعضا. تكبر جاهدة و تُصِرُّ أن تمشي في درب الفن الجميل، والطرب الراقي، وهذا يعني أنها مثل مقاتل يدخل معركة شرسة دون أن يكون معه جيش كبير. تدخل "جاهدة؛ الفن بصوت خارق لكن بجسد يخالف تماما مقاييس الأجساد الناجحة على الواجهة الفنية، تقف وقفة الفارس الباسقة بعباءاتها السوداء و تطلق العنان لصوتها الصّادح بقصائد تحدّت بها كل الرشيقات اللواتي تنقصهن القدرات الصوتية فيغطين عيوب أصواتهن بحركات إغرائية بعيدة تماما عن الفن. تدخل أيضا بلون فني يحترم القصيدة في زمن فقد فيه الشعر بريقه تماما وفقد فيه الشعراء مكانتهم التي حظوا بها في عصور و أزمنة مضت ... و مع هذا لجاهدة وهبي القدرة على تحويل نص نثري إلى قطعة غنائية فائقة الجمال، لديها قدرة عجائبية لمنح الكلام صبغة الشعر. حين أصدرت آخر ألبوماتها "شهد"، اهتزت بيروت بسبب انفجار، لكن يبدو أن جمهور جاهدة " جمهور متين" لا تهزه مشاعر الخوف العادية ، كان المسرح مليئا، وصالون المسرح أيضا، حضر مثقفون من كل حدب وصوب، شعراء، كتاب، رسامون، مسرحيون، طلبة ... وهذا يعني أن جمهور جاهدة جمهور مسرح، وليس جمهور مطاعم أو جمهور رقص وفقش... فقد جمعت أطراف التميز كله، حتى في نوعية جمهورها... نتساءل دوما ونحن أمام هذه التحفة الصوتية، هل ولدت جاهدة في زمن غير زمنها؟ أم جاءت لإنقاذ وجه الفن في زمن الرداءة ؟ صحيح أن الساحة الفنية تعج بأسماء أخرى مثل سمية بعلبكي التي تغطيها غيوم التهميش مؤخرا، وغادة شبير، وأخريات، لكن تبقى جاهدة وهبة أقوى صوت نسائي يؤدي الأغنية الطربية والقصيد العربي دون منازع. وإن كانت مؤخرا تسعى إلى جعل فنها ذا صبغة عالمية، بعد أن اقتحمت به مسارح باريس وعواصم أجنبية أخرى، فهي لم تحد عن الكلمة الرّاقية والمظهر المحترم. ومن يسمع نتاجها الأخير شهد، سيكتشف التجديد القوي في موسيقاها، سواء من حيث اللحن أو من حيث التوزيع الموسيقي والعازفين الذين استقدمهم لهذا الغرض. بالمختصر، إن كانت ساحتنا الفنية تحوي صوتا كصوت جاهدة وأصواتا تمشي على الدرب نفسه مقابل إقبال كبير من الجمهور الشاب نحو هذا اللون، فهذا يعني أننا على أبواب مرحلة جديدة في تاريخ الأغنية العربية، وأن زمن الفن الهابط بدأت تهبُّ عليه رياح الإبادة. إنها علامات جيدة تبعث حقا على الأمل. FW: المقالين