أمريكا دولة علمانية تساوت فيها الأعراق بعد صراع طويل وتميز خاص للبيض، قبل إعلان المساواة بين الجميع، ورغم أن الشعب يعتببر متديناً بعدد زوار الكنائس، وقياساً لأوروبا اللادينية، فإن هذا التميز هو الذي صعد بها لأنْ تصنف من أعظم الديموقراطيات في العالم.. فانتخاب أوباما صاحب البشرة السوداء والذي كان آباؤه وأجداده ما قبل الخمسينيات من القرن الماضي يعيشون فصلاً عنصرياً، يعد تطوراً كبيراً، وإن ظل انتخاب امرأة للرئاسة لايزال بعيداً تبعاً لرؤى من يصنعون القرارات ويؤثرون في الانتخابات، عندما سبقت آسيا كل العالم المعاصر، بإيصال نساء إلى رئاسة الوزراء، وفي بلدان تعد من العالم الثالث.. أوباما الذي حاول إصلاح سمعة أمريكا بتقربه من العالم الإسلامي، يدرك أن الحروب التي فجرها بوش الابن بوعد إلهي، كما يعتقد، كان ميدانَ تلك الحروب المسلمون بكافة طوائفهم وتنوعاتهم، مما صعّد الصراع ليكون دينياً أكثر منه سياسياً، ولعل الرئيس الأسمر كان يريد قلب المعادلات بتقريب أمريكا من كل العالم، بدلاً من أن تكون قطب المنازعات ، وتفجير الحروب، وتنامي العداء الذي فجر السؤال الكبير: «لماذا يكرهوننا»؟. «فوبيا» الإسلام، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، أصبح مجال صدام على كل المستويات من قبل المؤسسات الفاعلة داخل أمريكا، ولعل مشكلة بناء مسجد قرب البرجين اللذين دُمرا في تلك الأحداث، والجدل الدائر الآن الذي عارضه وأيده شريحة من المجتمع الأمريكي ، وثنّى على التأييد الرئيس أوباما، وضعاه في دائرة التساؤل والتشكيك بأنه مسلم، وليس مسيحياً، فقط لأن أباه حسيناً كان مسلماً، ولأنه عاش جزءاً من طفولته في أندونيسيا، وهو ما كان سبباً في هذا الاتهام.. لنفترض أنه أخذ بمبدأ «التقية» وأخفى ديانته، ألم يكن انتخابه ، وبعيداً عن اللون والعقيدة، اللذين كسر بهما احتكار البيض للرئاسة، يعد سابقة جاءت لصالح أمريكا وتميز نظامها ونضج شعبها؟ ثم ماذا لو وصل هندي مولّد في أمريكا، يدين بالهندوسية أو من أصول آسيوية أخرى يدين بالبوذية، أو يهودي من أبوين أمريكيين، هل كان هذا عائقاً بسبب أصول الديانة والعرق، أن لا يترشح للرئاسة الأمريكية، وقصرها فقط على المسيحية بتفرعاتها ومذاهبها المختلفة ولون البشرة الأبيض؟ الأسباب تحركها دوافع مختلفة إذ إن أوباما اعترف أنه مسيحي وأنه معمّد من الكنيسة إلا أن محركات أخرى ربما جاء انتخاب أسود من أصول أفريقية يقود الشعب الأمريكي بمختلف ألوانه وأديانه، لم يعجب البعض ممن لازال يتمسك ببقايا العنصرية برفع شأن العرق الأبيض، ولعل الخلافات السياسية والاقتصادية وحتى الإدارة للدولة، قد يقبع خلفها رؤى لا تنفصل عن الماضي البعيد عندما توظف للتقليل من شأن أوباما بسبب جذوره ومصالحته للمسلمين، حتى تكون ذريعة لنقده والتشكيك في ولائه لدولته، وعدم أهليته إدارة أهم وأكبر بلد في العالم في مواقع القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية.. الذي يحدث جزء من موروث قديم، لكن ذلك لا يقلل من قيمة أوباما الذي انتزع حقاً قانونياً بانتخابه رئيساً لأمريكا من خلال كفاءته وحضوره وثقافته العريضة..