منذ الصغر وأنا أسمع في بلدي القصب عن القصبي في مكة راعي كرا، ومع مرور الأيام عرفت أن القصبي نسبة الى القصب وأن المسمى لعائلة متفرعة من أبناء العمومة آل قاسم في القصب، وقد اطلعت على خطوط ومكاتيب ترد من الزبير من عائلة القصبي إلى أبناء عمومتهم آل مقحم في القصب والمشاش وينوهون فيها على أن يكون الرد على هذه المكاتيب بذكر القصبي، حيث لا يعرفون هناك إلاّ بذلك، ومنها ما ورد في أحد المكاتيب لعبدالله العثمان القاسم وعليها ختمه باسم القصبي وقد قال في آخرها (لأن حنا في الزبير ما نعرف إلا في لقب القصبي)، ومن أشهر أعلام هذه الأسرة الكريمة العم عثمان بن عبدالله القصبي وأولاده والذين عرفوا بالتعليم المتميز والأخلاق الفاضلة والسيرة الطيبة، ومن أبرز أبنائه عبدالله بن عثمان القصبي وهو راعي كرا، وقد كان من المرافقين والمعاونين للملك فيصل –رحمه الله- في شق صخور الهدا مع الشيخ المعلم محمد بن لادن. وتصطدم هذه المقدمة وهذه الذكريات والإنجازات بخبر رحيل هذا الرجل الفاضل عميد أسرة القصبي والرمز الوطني المعروف الذي ألم به المرض -رفع الله درجته- قبل سنوات، ثم انتقل إلى جوار ربه يوم الأحد الموافق 16-1-1436ه وصلي عليه في المسجد الحرام ودفن في مقبرة العدل بمكةالمكرمة، رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته. وإني لأشعر بالأسى والأسف على فراق هذا الرجل المتميز لأمرين أحدهما عدم الامكان والتمكن من رؤيته وأداء بعض حقه علينا، وثانيهما فإن فقد مثل هذا القامة ليس بالأمر الهين ولكن المسلم يرضى ويسلم ويعلم أن ما عند الله خير وأبقى للجميع ويؤدي بعض حق أحبابه وأقاربه وإخوانه المسلمين، وخصوصاً أهل الفضل منهم بالدعاء لهم والترحم عليهم. وقد توافد المعزون من معارفه من أصحاب السمو الملكي الامراء والمعالي الوزراء والمشايخ ورجال الأعمال ومجموعات كثيرة من محبيه -رحمه الله- الى منزل ابنه معالي الدكتور ماجد القصبي لأداء واجب العزاء، وقد أكد عدد من أصحاب السمو الملكي الأمراء وجملة من الأعيان على أن الشيخ عبدالله القصبي شخصية نادرة وانه رجل له مساهماته وأفضاله في هذا الوطن، وانهم وإن قدموا لأداء واجب العزاء والمواساة إلاّ انهم يُعزون فيه هم أيضاً. كان القصبي بحق من الرعيل الأول الذين اسهموا في خدمة الوطن بالقلم والعمل، وكان في شبابه وهوايته وتخصص دراسته حاصلاً على ليسانس الآداب ثم الماجستير في الصحافة قسم اللغة الانجليزية من جامعة القاهرة عام 1957م، وأول سعودي يسجل لدرجة الدكتوراه في الصحافة في مصر لكن منعه عن استمراره رغبة الملك فيصل في أن يتولى القصبي أعمالاً ذات أهمية رآها الملك -رحمه الله-، وكان من الرواد في الطرح الفكري والكتابة الجادة والمتميزة والعميقة لآمال وآلام الأمة، وكان في ميدان العمل الفارس والمطور بما قدمه ووقف عليه من مشاريع ودراسات جبارة، كما كان القصبي من أوائل من عمل في مرحلة التأسيس في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -رحمه الله-، وحياته مليئة بالأسفار لطلب العلم والتنقل لمزاولة العمل في بناء ما يسهم في تطوير هذه البلاد ما بين قطاع عام وقطاع خاص؛ فقد شارك مع صاحب السمو الملكي الامير طلال بن عبدالعزيز في تأسيس وزارة المواصلات وذلك في محرم 1373ه، حيث اعد الهيكل التنظيمي الاول للوزارة في بيت الجفالي بالطائف، وعمل مع وزيرها الثاني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وعمل مساعداً لسكرتير عام وزارة المواصلات عند تأسيسها، ثم رئيسا لمكتب السكك الحديدية بالوزارة، وابتعث الى إنجلترا في دورة تدريبية لإدارة السكك الحديدية وبعد عودته عين مديراً عاماً لمصلحة الطرق ثم رئيساً لبلدية جدة، استقال وعمل مديراً لمؤسسات عبدالله هاشم رحمه الله، ثم مديراً عام لمؤسسة المدينة للصحافة، وأنشأ مؤسسة كرا في عام 1388ه التي نفذت أنفاق منى الخمسة المزدوجة وجسر الملك فيصل بمزدلفة ومشاريع أخرى في المشاعر، ورأس أول مجلس ادارة لشركة مكة للإنشاء والتعمير وثلاث شركات أخرى وعمل عضواً في مجلس إدارة شركة المصافي العربية لمدة 30 عاماً، إلى جانب عضويته في مجالس إدارات أربع شركات أخرى، وفي عام 1421ه 2000م استقال منها جميعاً لأسباب صحية والتفرغ لتطوير مؤسسة كرا في مجال التعدين. قال عنه المرحوم الدكتور عبدالعزيز الخويطر "الأخ الأستاذ عبدالله القصبي أديب معروف وكاتب بارز كان علماً من الأعلام في الثقافة وملأ في وقته فراغاً كان لابد من ملئه بكفء مثله"، وكتب الدكتور غازي القصيبي عنه قائلاً:"عبدالله القصبي هو من جيل الرواد الذين وضعوا بصماتهم على خارطة الوطن، وقد نهل من العلم في العراق مع أجيال من السعوديين الذين أبصروا النور في الزبير،.. وقد أسهم في تنوير الرأي العام من خلال منبر الصحافة". لقد تفضل علي مشكوراً معالي الدكتور ماجد القصبي بإهدائي مجموعة من كتاب رحلة قلم للاطلاع عليها وإهدائها لضيوف مدينة القصب ومحافظة شقراء، وهذا السفر هو جهد نبيل بذله معاليه لجمع بعض انتاج والده الفكري والثقافي والادبي، وأن المطلع على هذا الكتاب يجده كما قال الاستاذ عبدالله مناع في مقدمته عن صاحب هذه الرحلة عبدالله القصبي انه الاستاذ في لغته وأسلوبه والشيخ في تجربته الثرية والمتعددة الأوجه والألوان. اللهم اغفر لأبي ماجد وارحمه وارفع درجته في الجنة.. اللهم آمين.