لايكاد يخلو تجمع لاصحاب الاعمال او المتخصصين في تقنية المعلومات من الحديث عن التجارة الإلكترونية (e-commerce) واذا تركنا جانباً النزاع الفلسفي المتعلق بماهية التجارة الإلكترونية فإنه يمكن ان نقول انها بيع وشراء السلع باستخدام شبكة الانترنت، وهذه السلع قد تكون بضائع او خدمات او معلومات. ورغم تفاوت تقديرات الخبراء فيما يتعلق بالحجم الحقيقي لهذا النوع من التجارة الا انهم مجمعون على ان هذه التجارة شهدت نمواً مطرداً منذ النصف الثاني من عقد التسعينات وحتى يومنا هذا. ومن الواضح ان نموها انما يكون على حساب النمط التقليدي من التجارة، كما انها جاءت في وقت اصبحت المجتمعات - خصوصاً تلك التي كانت الى وقت قريب مغلقة نسبياً - بين مطرقة العولمة وسندان الاتفاقيات التجارية العالمية التي ستلغي الى حد كبير الحدود التجارية كما الغت وسائل الاتصال الحديثة الحدود الجغرافية، ومن الحكمة ان نتخذ - كمجتمع - الاجراءات الضرورية لضمان قدرتنا على المنافسة في سوق التجارة الإلكترونية الذي فتح على مصراعيه. ويمكن تقسيم تلك الاجراءات الى فئتين: اولاً: الاجراءات المتعلقة بمنظومة عمل التجارة الإلكترونية: وهذا الموضوع متشعب والكلام فيه يطول ويعرض غير انه يمكن القول ان اهم الاجراءات مايلي: 1 - زيادة انتشار شبكة الانترنت في المجتمع ورفع سرعتها سواء مايصل الى المنازل او الاعمال وتخفيض رسوم الاتصال بالشبكة. ويؤيد ماقلناه ماورد في الخطة الوطنية لتقنية المعلومات في المملكة التي اعدتها جمعية الحاسبات السعودية من مبادرات عاجلة نص بعضها على ضرورة اعادة هيكلة الانترنت في المملكة بما يحقق زيادة انتشارها وخفض رسومها مع رفع سرعتها. 2 - اعداد المنظومة الفنية التي تمكن المتعاملين من العمل بطريقة آمنة تضمن سلام المعلومات المتبادلة والتحقق من هويات المتعاملين. وهذه المنظومة تشمل مكونات كثيرة اهمها البنية التحتية للمفاتيح العامة (Public Key Infrastructure) وما يتعلق بذلك من برامج ومعدات واجراءات وسياسات كما تشمل اعتماد التوقيع الرقمي بشكل رسمي في دوائر الدولة والقطاع الخاص. ثانياً: الاجراءات المساندة لعمل منظومة عمل التجارة الإلكترونية: ان التجارة الإلكترونية لاتعمل في فراغ بل لابد ان تخلق حولها الظروف المناسبة للعمل، ولعل من اهم مايرد في هذا الصدد مايلي: 1 - تهيئة القطاع الخاص واصحاب الاعمال بما في ذلك اعادة هندسة اجراءات العمل وادارة الموارد، وايجاد مواقع على شبكة الانترنت لعرض بضاعتهم بالطريقة الملائمة، كما ان هذا يتطلب دينماميكية في اتخاذ القرارات وسرعة استجابة لمتطلبات السوق وانتهاج اساليب لامركزية وزيادة التكامل بين فروع المنشأة الواحدة، كما ان على القطاع الخاص تطوير التعامل التجاري الالكتروني بين الجهات العارضة للسلع كالشركات والمؤسسات (B2B) اضافة الى تطوير التعامل بين الجهات العارضة للسلع وبين المؤسسات المالية كالبنوك لترتيب عملية الدفع، ويجب ان لانغفل توعية اصحاب الاعمال ومتخذي القرار في قطاع الاعمال بأهمية التجارة الإلكترونية لنجاح اعمالهم ومايتطلبه ذلك من تغييرات في انماط العمل. 2 - تهيئة جمهور المستهلكين ومن ذلك العمل على زيادة استخدام بطاقات الائتمان في اوساط الجمهور واستحداث طرق دفع ملائمة لعادات المستهلك في المملكة. 3 - تحسين خدمات الشحن والتوزيع وايجاد نظام مناسب لتحديد عناوين المنازل والمؤسسات. 4 - اعطاء زخم اعلامي لهذا النوع من التجارة لابراز الفوائد المتوقعة منه سواء للفرد او المجتمع ولأنه من المعروف ميل الناس في المملكة الى التعامل المباشر وهذا سيعوق دون شك انتشار التجارة الإلكترونية فلابد من العمل على تغيير هذه القناعات بابراز الفوائد الحقيقية والمتوقعة من التجارة الإلكترونية. 5 - سن وتفعيل التشريعات المتعلقة بجرائم الحاسب والمعلومات عموماً وبالتجارة الإلكترونية خصوصاً ليكون الناس في مأمن من المخاطر التي تكتنف التعامل عن طريق الانترنت. 6 - تنشيط الباحثين في الفقه الإسلامي لتكييف التعاملات المختلفة في التجارة الإلكترونية مع الشريعة وتبيين حكمها حلاً او حرمة، واقتراح نماذج جديدة من التعاملات، وهذا قد يعطي عارضي السلع في المملكة ميزة تنافسية (Comptitive Edge) على غيرهم. 7 - توعية المواطنين بالحجم الحقيقي للمخاطر التي تنطوي عليها تعاملات التجارة الإلكترونية بلا تهوين او مبالغة مع التعريف بالاجراءات والادوات التي تعين على تلافي هذه الخاطر. 8 - تدريب اعداد كافية من الشباب لمعرفة التقنيات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية مثل البيع الالكتروني وتصميم بوابات الدفع والكتالوجات الإلكترونية وصناعة البرمجيات بشكل عام. ولعل من المناسب الاشارة الى بعض فوائد التجارة الإلكترونية وأود ان الفت نظر القارئ الكريم الى ان هذه الفوائد متحققة لانها اصبحت واقعاً معاشاً في بعض الدول المتقدمة كما ان هذه الفوائد ترجع إلى طالب السلعة وعارضها ويمكن اجمال هذه الفوائد في الآتي: 1 - اعطاء المستهلك فرصة التعرف على البضائع والخدمات الموجودة بسهولة ومقارنة اسعارها والاطلاع على آراء المستهلكين الآخرين عن سلعة ما. 2 - استغناء المستهلك عن الانتقال الى المحل الذي يعرض السلعة وبالتالي توفير وقت المستهلك، ووقود وسيلة النقل، والعمر الافتراضي لوسيلة النقل وتقليل استهلاك بنية المواصلات التحتية من طرق وجسور وغيرها وخفض عدد المركبات في الطرق مما يقلص التلوث ويوفر الوقت اللازم للانتقال من نقطة الى اخرى. 3 - توقي المستهلك المخاطر المصاحبة لحمل كميات كبيرة من النقود كما هو الحال عند التبضع بالطريقة التقليدية. 4 - خفض التكاليف التشغيلية للمنشأة التجارية اذ يمكن ان يكون المتجر في قرية صغيرة او اطراف المدينة حيث تنخفض تكاليف شراء الأرض او استئجارها كما لا يحتاج الى ديكورات او مواقف سيارات لاستقبال العملاء، وهذا الخفض يقود الى خفض تكاليف التكييف والتدفئة وغيرها. 5 - امكان وصول مقدم السلعة الى عدد كبير من المستهلكين، كما يمكن لتجار التجزئة الوصول الى عدد كبير من الموردين. 6 - تقليل الوقت اللازم لعقد الصفقات التجارية وتوريد البضائع.