يوم عرفة يتألق هذا اليوم عظمةً، ويتفوق على سائر أيام الله، إنه موقف عظيم، ومجمع جليل لوفد الله في هذا اليوم المبارك، حيث يعتبر أعظم مجامع الدنيا، إنه مجمع خيار عباد الله، يوم مجامع الأفئدة، إنه استجابة الله سبحانه لدعاء نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام عندما يرفع قواعد البيت الحرام، «فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم». نعم إنه مجمع الأفئدة التي هوت أي: أسرعت إلى هذا الموقع المبارك شوقا ووداداً وحباً، هنا تسكب العبرات، ترجو هذه الأفئدة الله سبحانه وتعالى إقالة العثرات، وعبرت عن هذا الرجاء العيون التي فاضت دمعاً اشتياقاً لخالقها، هذه القلوب الخاضعة الخاشعة لربها، وهذه الأنفس الآمنة المطمئنة المستقرة إنه يومها، يوم الصدق والطهر والنقاء، يوم صفاء القلوب، يوم بسط الأكف جميعاً إلى رب الأرض والسماء، إنه يوم تفتح فيه أبواب الرحمة، فمن أتى بفؤاده سيكون أسعد الناس ذكراً لربه، وأكثرهم خضوعاِ لله سبحانه وتعالى، وأشدهم خشية له، وأهنأهم حياة، هنا في عرفات الله يؤجر المسلمون بالدعاء تنفيذاً لأمر الله سبحانه وتعالى في عرفات وفي كل وقت عموماً، قال تعالى {أدعوني استجب لكم} وقال تعالى: {وإذا سألت عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان}. وارتبط الدعاء بالقلب، بل ارتبطت شعائر الحج بالقلب، قال تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنه من تقوى القلوب}. وفي السياق ذاته قال تعالى: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} إن الدعاء وفي هذا اليوم بالذات وفي عرفات : غيث للقلب، وسكن للنفس، وانشراح للصدر، وراحة للضمير، ومهما تحدثت الألسن، وكتبت الأقلام، وتفتحت القرائح فإنها لا تستطيع وصف هذا الموقف العظيم، هذا الموقف الذي يباهي الله جلت قدرته ملائكته، إنه يوم إعلان الثبات على الإيمان، بل إنه أفضل يوم طلعت شمسه في القلوب قبل إشراقها في السماء، ونسيم عرفات يسري في الأرواح قبل سريانه على الأرض، حيث إن اجتماع يوم عرفة .. اجتماع ثلة مختارة من أمة سيد البشر النبي الأمي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كل عام، من لدن العهد النبوي المبارك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتسمو وتتألق في اجتماعها هذا لأنها تنفذ أمر الله سبحانه وتعالى، وتتبع خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم في نسكه وتقتبس من أسرار خطبه صلى الله عليه وسلم وسمو كلامه، ومواعظه في الحچ ولا سيما قوله صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة ..) كلمتان فقط .. لكنهما كتاب .. بل كتب .. إنه إعلان صريح بأهمية هذا اليوم عبارة لا تنسى، وذلك لنصاعة بيانها وجزالة لفظها .. نعم الحج عرفة .. أعلن ذلك صاحب الرسالة الخالدة الذي أوتي جوامع الكلم، كما علم صلى الله عليه وسلم إلى الأجيال إضافة إلى ما انسكب في قلوبهم من حب انبثق ضياؤه من ذلك النور الذي بعثه الله رحمة للعالمين. وعند تتبع أدعيته في هذا اليوم ولا سيما إعلان الوحدانية لله سبحانه وتعالى وتكرارها (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) تظهر لنا بعض جوانب سريرته النقية، وبصيرته الوضاءة صلى الله عليه وسلم، وتكرار الوحدانية ليس بتحريك الشفتين فقط، وإنما إقرار بالقلب وتصديق بالعمل. وجزاء يوم عرفة .. جزاء كبير عظيم يستبشر به كل مسلم، أليست أكبر بشرى أن يقبل الله أصحاب الأكف المبسوطة بالدعاء، والقلوب المتعلقة بخالقها من ذوي الأردية البيضاء ؟ وأن يقبل عثراتهم، ويغفر لهم، ويعتقهم من النار. قال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه عبداً أو أمة من النار من يوم عرفة).