العمل الجيد، أياً كانت جنسيته، يتحول إلى عظيم فقط إذا كان ذا فكرة مستفزة ونص متين وأسلوب سرد مشوق وجذاب وفوق ذلك يحتوي على شخصيات ممتعة تمتلك حضوراً طاغياً.. إذ أن تكامل هذه العوامل وتمازجها بطريقة مدروسة شرط ضروري ومطلب ملح إذا ما أردنا الحديث عن دراما متطورة ورائعة.. وحتى تصل إلى ذلك النضج الفني والفكري المطلوب، تكتفي الدراما المحلية بعنصر وحيد هو التركيز على ظهور شخصيات جذابة ذات ألق وسحر خاص.. الدراما الجيدة في السعودية هي مجرد شخصيات جميلة تجذبك نحو متابعتها، فشخصية أبو رويشد لخالد سامي، وشخصيات راشد الشمراني المتنوعة، هي شخصيات آسرة تجبرك على الافتتان بها ومتابعتها مهما كان سوء الأعمال التي تظهر فيها.. إن أعمالنا تعاني دوماً من هشاشة الفكرة ومن سوء التنفيذ لكنها تصبح ممتعة حين تحوي مثل تلك الشخصيات.. في رمضان الحالي، وبعد أيام قليلة، يتأكد لنا هذا الرأي، إذ تبرز شخصية «مناحي» التي يؤديها ببراعة فايز المالكي، لتقودنا إلى الإعجاب بمسلسل «اخواني وأخواتي» حتى قبل أن تكتمل حكايته، والحكاية - كانت جيدة أم لا - قد لا تبدو مهمة طالما أن هذه الشخصية ساحرة.. إلا أن المسلسل لا يكتفي بمجرد تقديم هذه الشخصية، ولا بمجرد تقديم شخصية الفنان الشعبي «مرزوق» التي برع فيها محمد العيسى، بل يزيد بأنه تمكن من صنع مناخ شعبي مميز نعشقه ونطرب له.. وهذا المناخ بحت أصواتنا ونحن نطالب بمثله من الدراميين السعوديين الذين أصروا في سنواتهم الماضية على تصوير بيئة الأغنياء المترفين وقصورهم الفارهة وسبك الموضوعات التي لا شأن لنا بها ولا علاقة.. لقد كنا نطلب منهم أن يقتربوا من أجواء البسطاء وأن يحتكوا بالواقع ويلتصقوا به مصورين أماكنه وبيئته الشعبية البسيطة.. وهنا، في «اخواني وأخواتي»، يبدو تطوراً أن نشاهد شوارع (البطحاء) بضجيجها وازدحامها المعروف.. مسلسل «اخواني أخواتي» ليس معجزاً ولا خارقاً، ولن نقول أنه أتى بما لم تأت به الأوائل، بل سنكتفي بإشارة بسيطة تقول أنه كوميديا خفيفة اعتمدت على نص جيد ومدروس، يقدم النكتة بعفوية ودون افتعال، وجماله أكثر ما يكمن في العناية ب»المنطق»، وانظر إلى مسألة الاختلاف في اللهجات وكيف استطاع كاتب العمل «علاء حمزة» أن يخرج من هذا المأزق بإعلانه أن الإخوة تربوا في بيئات مختلفة، ف»مناحي» البدوي تربى في كنف عمه في «الديرة»، أما مرزوق وأخته فقد تربيا لدى قريب لهما في مدينة الرياض، وعناية كهذه تبدو جديدة وطارئة على الدراما السعودية وهي علامة احترام انتظرناها طويلاً نحن المشاهدين من صناع الدراما لدينا.. أيضاً هناك علامة أخرى، تلك التي تتعلق بطريقة تفكير أبطال العمل، فهم بسطاء جداً وتفكيرهم يأتي ضمن هذه الحدود، فلا يتوقع مثلاً من مناحي أن يصبح فيلسوفاً بين يوم وليلة ويفكر بطريقة عميقة متطورة، بل هو بسيط ولأنه كذلك فهو لن يستطيع وصف شعوره بالصدمة إلا من خلال مثال (الباص) المشحون بالركاب والذي يسير مسرعاً على طريق القصيم.. هذه حدود تفكيره.. أيضاً «مرزوق» حين التقى بأخته الأمريكية لم يقفز للسلام عليها، بل التقط «غترته» ليتمكن من تغطيتها خوفاً من أن يشاهدها أحد من الجيران، وهذه بساطة في التصرف تأتي متسقة مع طبيعة التفكير المتوقعة من شخص مثله.. إذن المسلسل بسيط وجميل يحوي شيئاً من التشويق، والمهم فيه أنه تجاوز كثيراً من الأخطاء الكارثية التي كنا نراها في مسلسلاتنا السابقة.. إنه خطوة إلى الأمام تخطوها الدراما السعودية بكل ثقة، وهو يثبت أن الرهان على الشباب ليس خاسراً أبداً.. وأن الشباب قادمون وثورتهم الفنية قادمة..