يُحسب لمجلس الشورى في بلادنا مشاركاته الفاعلة في أي مؤتمر دولي يدعى إليه في مختلف أقاصي الأرض، ولا أبالغ إذا قلت إنه مهما غاب الحضور السعودي عن المشاركة في الندوات والمؤتمرات العالمية فإن مجلس الشورى هو من يعوّض ذلك الحضور، ويعرف زملاؤنا الذين أتيح لهم تمثيل المجلس في بعض المؤتمرات العالمية أهمية حضورهم وتمثيلهم ليس للمجلس وحسب وإنما للوطن بصورة عامة، وأنا أحد من تلبّسهم ذلك الإحساس الوطني الجامح في أكثر من مؤتمر عالمي حضرته، كان آخرها مؤتمر: عالم بلا جدران الذي انعقد في معهد الثقافة الدبلوماسية بالعاصمة الألمانية برلين في المدة من 15-16محرم الموافق 8-9 نوفمبر الجاريين بمناسبة مرور 25 عاماً على انهيار جدار برلين، وتوحيد شطريهما الشرقي والغربي. هذا المؤتمر الذي شاركت فيه ضمن وفد من مجلس الشورى مكون من سعادة الزميل الدكتور زهير بن فهد الحارثي عضو المجلس، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن نواف بن فيصل بن سعود من الشؤون البرلمانية، والأستاذ ماجد السهلي من إدارة المراسم _ يعدّ من أهم المؤتمرات التي شاركت فيها في حياتي لا من حيث حضوره ولا من حيث الموضوعات التي طرحت فيه، فمن حيث الحضور حُشد له أكثر من 115 متحدثاً ومتحدثة ما منهم إلا وكان رئيس جمهورية أو رئيس وزراء أو وزيرا سابقا، وفيهم عدد غير قليل من محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية ورؤساء محاكم عليا (محاكم دستورية) في بلدانهم، وأساقفة كنائس، وأمراء تقليدون من أسر ملكية تاريخية من أفريقيا وشبه القارة الهندية، ومحامون كبار، ومنظرون عالميون. أما الموضوعات التي طرحت فلم تقتصر على الجدران الحسيّة التي نعرفها، وإنما لامست جدراناً غير حسيّة، كثيرة في حياتنا ليس أقلها التمييز العنصري، والطبقي والطائفي والمذهبي، واضطهاد بني الإنسان نفسة بنفسه، والحروب التي تشن بسبب وبلا سبب وخلافها. وقد حظيت القضية الفلسطينية بنصيب الأسد من الأوراق التي قدمت في المؤتمر حيث شجب كثير من المتحدثين الجدار العازل الذي أقامته اسرائيل في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، واستنكروا بشدة بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، ومنهم من امتدح قرار السويد المتضمن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، واعتبروه قراراً صائباً، وحثوا دول العالم الحر على الاقتداء بالسويد من حيث اعترافها الصريح بالدولة الفلسطينية. الملفت للنظر قلة الحضور العربي الفاعل إذ لم نلحظ في القائمة الطويلة من المتحدثين إلا خمسة أشخاص من وفود الدول المنتمية إلى جامعة الدول العربية هي إلى جانب المملكة العربية السعودية: البحرين والكويت ولبنان والجزائر وجيبوتي، وربما توجد وفود عربية أخرى غير من ذكروا، وإنما في مؤتمر آخر متزامن مع هذا المؤتمر كان منعقداً في قاعة أخرى من معهد الثقافة الدبلوماسية نفسه الذي يعقد فيه مؤتمرنا ويعنى بالشؤون الاقتصادية. وكم تمنيت لو أن وفداً فلسطينياً رفيع المستوى كان حاضراً وفاعلاً بحيث يصدر بيان عن ذلك المؤتمر السياسي المهم يحثّ دول العالم على الاعتراف الفعلي بدولة فلسطين، فالمؤتمر يضم شخصيات لها تأثير كبير في سياسات بلدانهم، ولكن للأسف لم يحضره أحد من الفلسطينيين حتى من أولئك المقيمين في ألمانيا. وقد استطاع الوفد السعودي الاجتماع مع مدير المعهد، وتحرير توصية من وحي الأوراق المقدمة تتضمن استنكار التعسف الاسرائيلي تجاه فلسطين بما في ذلك بناء الجدار العازل في الأراضي المحتلة، والتوسع في الاستيطان اليهودي في القدس والضفة الغربية عامة، وكذا مصادرة الأراضي الفلسطينية، والانتهاكات التي تجري في المسجد الأقصى، وخلاف ذلك بمدينة القدس الشريف.