السلطة السياسية هي القادرة على اتخاذ القرارات المؤثرة التي تُعد من ضرورات الدولة والمجتمع، ومتى ما كانت السلطة متفاعلة مع ما حولها من تحولات، وناقدة لذاتها وهي على دراية بالمخاطر، فإنها بذلك تنقل بلادها لمصاف الدول المتقدمة طالما أن ذلك يحقق مصالحها العليا. كانت السعودية توصف بأنها أكثر دول الخليج انغلاقاً، ولكنها تعيش اليوم حراكاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كدولة عصرية وحديثة إدراكاً من القيادة أن ذلك يمثل ضرورة إستراتيجية ووفق هذا التوجه لا نستغرب مشاركة السعودية في اجتماع دول مجموعة العشرين، لاسيما وانه لقاء دولي وبمثابة ركيزة في النظام العالمي الجديد كجهاز حوكمة بما له من مظلة تشريعات وقوانين وقرارات. وفي هذا السياق تأتي مشاركة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع كممثل وحيد للعرب أمام القمة وفي كلمة بلاده أشار إلى أن هناك ارتباطاً وثيقاً ما بين النمو الاقتصادي والسلم العالمي، مطالباً بإيجاد معالجات لقضايا المنطقة، وضرورة التعاون الدولي لتأسيس نمو اقتصادي عالمي قوي وشامل مؤكداً استعداد المملكة لمواصلة دعم الجهود الدولية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. إن مشاركة السعودية في اجتماعات مجموعة العشرين يكشف عن تموضع لافت للسعودية في الخارطة الدولية بدليل مشاركتها في صياغة القرارات الاقتصادية العالمية، وهو ما يضع على عاتقها مسؤوليات وتحديات جساماً للحفاظ على ما وصلت إليه من مكانة وثقل اقتصادي نفهم من حديث الأمير أن على مجموعة العشرين ومن المنظور السياسي عليها أن تعيد صياغة سياساتها في المنطقة بما يخدم استقرارها وحل المشكلات المزمنة العالقة كالقضية الفلسطينية والأزمة السورية والتطرف، لأنه في الحقيقة بقاء تلك القضايا دون حل ناجع سيجعلها ذريعة وبالتالي تُستغل لإدامة التوتر وعدم الاستقرار في منطقتنا ما يجعل التعاون الدولي ضرورة لاسيما في مواجهة الإرهاب الذي يهدد استقرار العالم وذلك بالتحرك والتنسيق عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً. إن عضوية السعودية في مجموعة العشرين ومشاركتها في اجتماع بريسبن يعكس اعترافاً بدورها وأهمية مشاركتها في وضع سياسيات وصياغات اقتصادية مؤثرة ما يعزز من مساهمتها في منظومة الاقتصاد العالمي، فاقتصادها يُعد الأكبر عربياً وفي منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن سياساتها البترولية المتوازنة التي تدفع باتجاه الاستقرار وعدم الإضرار بمصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء رغم تحملها كثيراً من التضحيات. ومع ذلك فالعالم يتعرض لتحديات جسيمة ومخاطر عديدة ما قد يعرض أمنه واستقراره وربما وجوده للخطر. ورغم أن مناخ المؤتمر شهد عودة الحرب الباردة بين القطبين لاسيما بعد تدخل موسكو في أوكرانيا إلا أن التعاون ما بين موسكو وواشنطن لا زال يمثل حاجة دولية. لماذا نقول ذلك؟ لان قصة تكوّن مجموعة العشرين تجيب على ذلك. فعندما نشأت (مجموعة الثماني) مكونة من أهم ثماني دول صناعية كبرى في العالم، فإنما كانت تسعى آنذاك لتنسيق جهودها من أجل خدمة مصالحها المشتركة، غير أنها لم تلبث أن أدركت لاحقاً أنها بحاجة إلى مقومات دول أخرى لدعم خططها في التعاطي مع الأزمات الاقتصادية. ثم ما لبثت أن نادت عام 1999م بتوسيع العضوية لدول أخرى لها إمكانات اقتصادية وتمثل في ذات الوقت القارات التي تنتمي إليها، لاسيما وأن ضراوة التحديات الاقتصادية قد طفت على السطح ما استدعى النظر بجدية إزاء تفعيل التعاون الدولي ودعمه من قبل الدول الأهم اقتصادياً، للعمل على استتباب الاستقرار المالي الدولي، وتكريس التفاهم والحوار بين البلدان الصناعية والبلدان النامية بما يخدم التنمية المستدامة في العالم، ويجنب اقتصاداته الكساد والتدهور، والاضطرابات المفاجئة، هذا عدا أن الأزمة العالمية وإفرازاتها جاءت لتضيف أهمية كبرى لهذه المجموعة في مواجهة تداعياتها ناهيك عن التحديات السياسية التي طرأت. وبدأت هذه المجموعة تعقد مؤتمراتها بحضور رؤساء الدول الأعضاء مرة كل سنتين بدءاً من 2008. كما أن لبرلماناتها أيضاً اجتماعات سنوية. ويبدو أن الرأسمالية كنظام تعيش مأزقاً حقيقياً بعدما تردى الوضع الاقتصادي العالمي بدليل أزماتها المتوالية التي عصفت باقتصاديات دول ما أربك خططها المستقبلية، وهو ما دفع البعض ليتساءل عما إذا كانت الديمقراطية السياسية أخفقت فعلاً في تحقيق إصلاح اقتصادي للشعوب، وإن كان هذا ليس محل نقاش هنا. جاء مؤتمر بريسبن ليطرح أهمية تجنب الصدمات المالية وذلك بالتركيز على النمو الاقتصادي والتوظيف ولعل الهدف هو مواجهة التحديات الاقتصادية من قبل دول مؤثرة وفاعلة في الاقتصاد العالمي وجعل الاقتصاد العالمي أكثر مرونة للتعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية في المستقبل، وهذه النقطة الأهم. غير انه كما هو واضح أن الظرف والحالة الراهنة والتوقيت تقتضي بالضرورة طرح الملف الأمني على الطاولة الدولية فلا تنمية بدون استقرار سياسي ومعالجة الملفات الملتهبة. وهذه كانت رسالة دول المنطقة والتي بثها ولي العهد الأمير سلمان لهذا المحفل الكبير، فإعطاء الأولوية لأمن المنطقة أمر يستحق البحث الجدي كونه يرتبط بإفرازات الأحداث الدائرة في المنطقة من تأزيم وتصعيد وبالتالي فإنه لا يمكن الفصل ما بين النمو الاقتصادي والتنمية من جهة والملف السياسي والاستقرار من جهة أخرى كونهما متداخلين إن لم يكن الملف الأمني له الأولوية. صفوة القول، إن مشاركة السعودية في اجتماعات مجموعة العشرين يكشف عن تموضع لافت للسعودية في الخارطة الدولية بدليل مشاركتها في صياغة القرارات الاقتصادية العالمية، وهو ما يضع على عاتقها مسؤوليات وتحديات جساماً للحفاظ على ما وصلت إليه من مكانة وثقل اقتصادي، وهو ما يعني ضرورة استمرارها في توظيف مواردها وتنويع مصادر دخلها بما يعزز بقاءها في ساحة اللاعبين الكبار.