السلطة السياسية هي الأداة في اتخاذ القرارات المؤثرة التي تُعد من ضرورات الدولة والمجتمع، ومتى ما كانت السلطة متفاعلة مع ما حولها من تحولات، وناقدة لذاتها وهي على دراية بالمخاطر والمحاذير، فإنها بذلك تنقل بلادها لمصاف الدول المتقدمة طالما أن ذلك يحقق مصالحها ولا يتعارض مع مرجعيتها. على أن التفاعل المجتمعي يظل متصورا وطبيعيا في سياق التحولات الاجتماعية والثقافية وآلية التفكير التي تطرأ على أي مجتمع إنساني، ولذا كان من الطبيعي أن ينبثق عن السعودية رؤية عصرية مواكبة للمفهوم العولمي، وبعيدة كل البُعد عن الانفعال اللحظي أو البريق الإعلامي، بل تنطلق من مفهوم عدم الانعزال والتفاعل مع مستجدات الحياة والمساهمة في حل قضايا كوكبنا وهمومه، وهو ما يرسخ طبيعة القرار السياسي. فهي كدولة، مثلها مثل غيرها، تعيش تحولات داخلية ,وتتأثر بالمتغيرات الدولية، إلا أنها استطاعت إلى حد كبير الركون إلى سياسة متوازنة ومنفتحة رغم واقع المعطيات وتعقيدها وتصاعد وتيرة التحولات. صفوة القول، إن اجتماع الرياض الدولي يكشف عن تموضع لافت للسعودية في الخارطة الدولية بدليل مشاركتها في صياغة القرارات الاقتصادية العالمية، وهو ما يضع على عاتقها مسؤوليات وتحديات جساماً للحفاظ على ما وصلت إليه من مكانة وثقل اقتصادي كانت السعودية توصف بأنها أكثر دول الخليج انغلاقاً، ولكنها تعيش اليوم حراكا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا . دولة عصرية وحديثة في إطار من المحافظة والتفاعل مع المتغيرات وذلك إدراكاً من القيادة أن ذلك يمثل ضرورة إستراتيجية وليست ترفا. فالمملكة فضلا عن عمقها الإسلامي وثقلها العربي فإنها تُعَدّ إحدى الدول المحورية في المنطقة والخليج ، وليس مستغربا أن تكون السعودية محل اهتمام الكثيرين في العالم من كافة المراقبين والمحللين، نظرا لدورها في إحداث التوازن في سوق وأسعار النفط عالميًّا، ، ومكانتها الدينية المؤثرة في العالمين العربي والإسلامي . ووفق هذا التوجه وفي ظل هذا السياق، فإنه لا ثمة غرابة في أن تستضيف المملكة ممثلة في مجلس الشورى، الاجتماع الثالث لرؤساء برلمانات دول مجموعة العشرين، لاسيما وانه لقاء دولي مهم ورفيع لما يمثله من ثقل وتأثير على الصعيدين السياسي والاقتصادي كونه يسعى لتعزيز التعاون البرلماني في مواجهة التحديات التي تتطلب تعاونا جماعيا ما جعله بمثابة ركيزة في النظام العالمي الجديد كجهاز حوكمة بما له من مظلة تشريعات وقوانين وقرارات. بيد أن انعقاد هذا الاجتماع في الرياض الذي يعد الثالث بعد أن تم عقد الاجتماع الأول في العاصمة الكندية أوتاوا عام 2010م، والاجتماع الثاني بمدينة سيئول الكورية أوائل العام الماضي، جاء ليعكس المكانة التي تتبوأها المملكة وأهمية الدور الذي تلعبه في الساحة الدولية، كما يُبرز دور مجلس الشورى ضمن خارطة العمل البرلماني الدولي. على أن تكوّن مجموعة العشرين له قصة ، فعندما نشأت (مجموعة الثماني) مكونة من أهم ثماني دول صناعية كبرى في العالم، وهى تحديدا: (اليابان، روسيا، أمريكا، كندا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا). فإنما كانت تسعى آنذاك لتنسيق جهودها من اجل خدمة مصالحها المشتركة، غير أنها لم تلبث ان أدركت لاحقا أنها بحاجة إلى مقومات دول أخرى لدعم خططها في التعاطي مع الأزمات الاقتصادية. ثم ما لبثت أن نادت عام 1999م بتوسيع العضوية لدول أخرى لها إمكانات اقتصادية وتمثل في ذات الوقت القارات التي تنتمي إليها، لاسيما وان ضراوة التحديات الاقتصادية قد طفت على السطح ما استدعى النظر بجدية إزاء تفعيل التعاون الدولي ودعمه من قبل الدول الأهم اقتصادياً، للعمل على استتباب الاستقرار المالي الدولي، وتكريس التفاهم والحوار بين البلدان الصناعية والبلدان النامية بما يخدم التنمية المستدامة في العالم، ويجنب اقتصادياته الكساد والتدهور، والاضطرابات المفاجئة، هذا عدا أن الأزمة العالمية وإفرازاتها جاءت لتضيف أهمية كبرى لهذه المجموعة في مواجهة تداعياتها. ويبدو أن الرأسمالية كنظام تعيش مأزقا حقيقيا بعدما تردى الوضع الاقتصادي العالمي بدليل أزماتها المتوالية التي عصفت باقتصاديات دول ما أربك خططها المستقبلية، وهو ما دفع البعض ليتساءل عما إذا كانت الديمقراطية السياسية أخفقت فعلا في تحقيق إصلاح اقتصادي للشعوب، وإن كان هذا ليس مثار نقاشنا هنا. على أي حال، هذه الدول تم اختيارها بعناية ، فما لبثت أن انضمت للمجموعة (12) اثنتا عشرة دولة وهي : (الصين، الهند، كوريا الجنوبية، أستراليا، السعودية، جنوب أفريقيا، البرازيل، المكسيك، الأرجنتين، تركيا، أندونيسيا، الاتحاد الأوروبي) فضلا عن حضور بعض الهيئات الدولية ذات العلاقة، وأهمها: البرلمان الأوروبي، وصندوق النقد الدولي وغيرهما. وبدأت هذه المجموعة تعقد مؤتمراتها بحضور رؤساء الدول الأعضاء مرة كل سنتين بدءاً من 2008. وآخر مؤتمر قمة عقد في تورنتو بكندا في يونيو 2010م. كما أن لبرلماناتها أيضا اجتماعات سنوية، فاجتماع الرياض الذي سينعقد بعد يومين سيحضره رؤساء برلمانات الدول الأعضاء وسينعقد تحت عنوان مهم هو: تنمية مستدامة لعالم آمن. أما أهم محاوره، فهي: ضرورة الحوار العالمي بين الثقافات، الطاقة لتنمية مستدامة، الأزمة المالية وأثرها على الاستقرار العالمي، وأزمة الديون السيادية التي تعاني منها العديد من دول مجموعة العشرين. إن عضوية السعودية في مجموعة العشرين، واستضافتها لهذا الاجتماع المهم لهما دلالات واضحة لعل أبرزها ترسيخ موقعها وثقل مكانتها وحضورها ويعزز من دورها في الانخراط في منظومة الاقتصاد العالمي، فاقتصادها يُعد الأكبر عربيا وفي منطقة الشرق الأوسط، فقد تم تصنيفها كواحدة من أكبر 20 اقتصادا في العالم، واحتلت المركز التاسع عالميا من حيث الاستقرار الاقتصادي، ما يجعلها دولة مؤثرة في سوق الطاقة العالمية.. وحقيقة استطاعت أن تكسب احترام الجميع بسبب سياساتها البترولية المتوازنة التي تدفع باتجاه الاستقرار وعدم الإضرار بمصلحة كل الأطراف، ناهيك عن مساهماتها في المساعدات الإنمائية والدولية. صفوة القول، إن اجتماع الرياض الدولي يكشف عن تموضع لافت للسعودية في الخارطة الدولية بدليل مشاركتها في صياغة القرارات الاقتصادية العالمية، وهو ما يضع على عاتقها مسؤوليات وتحديات جساماً للحفاظ على ما وصلت إليه من مكانة وثقل اقتصادي، وهو ما يعني ضرورة استمرارها في توظيف مواردها وتنويع مصادر دخلها بما يعزز بقاءها في ساحة اللاعبين الكبار، وتبقى الإرادة هي الفيصل، ف(على قدر أهل العزم - كما يقول الشاعر- تأتي العزائم.!!)