يضج المجلس بالمصلحين والواعظين، والخبراء، حتى يخيل إليك أنك لن تقوم من مجلسك إلا إلى مدينة أفلاطون الفاضلة. نخاطب شخصاً ثالثا، نصب جام غضبنا على مجهول، فنحن -معاذ الله- لسنا السبب في كل المشكلات من حولنا.. دائماً هناك شخص مخطئ يوجه له اللوم وتكال النصائح. لسنا من الشجاعة بحيث نواجه ذواتنا بعيوبها، فنؤثر الهروب إلى صنم نريق عليه خطايانا ثم نرجمه، وبمجرد انتهاء موسم الرجم نرتدي أوزارنا ونعود بها إلى تدنيس حياتنا اليومية. في مجالسنا أدوية جاهزة حتى للأمراض المستعصية، والقضايا الدولية المركبة نوجد لها حلولاً إبداعية. وفي مجالسنا تصبح مشكلات السير، والخدمات، والنظافة والنظام من الماضي، فقد قتلنا ذلك المجهول بخططنا، ولكن بالتأكيد (لسنا) سبباً في تلك المشكلات ولا طرفا فيها.. نحن أجبن من النظر إلى نفوسنا والصراخ عليها بصمت، وعقابها بالتأمل في الفضائع التي ترتكبها على مدار اللحظة. المجتمع يعاني من الأنانية المفرطة التي تجعلنا غير مبالين بالآخرين وإن كانوا أقرب الناس لنا. عندما يكشّر أحد في وجهك فتذكر أنك مقطب الجبين، وإذا ازدراك شخص فتذكر أولئك الذين كدرت حياتهم للتو، وعندما يقال لك إن سلوكيات ابنك بلغت درجة الإجرام أو الانحراف فعوضاً عن لومه تذكر إهمالك له. تصرفاتنا مرآة صادقة لما تلقيناه من تربية في المنزل والمجتمع. فأنت لا تؤلف مجتمعاً يهتم لبعضه إذا لم يخرج من بيوت وأسر تهتم بأفرادها، ولايمكن أن يكون لدينا جيل محترم إذا لم يتشرب الاحترام في بيته في مرحلة الطفولة. ففاقد الشيء لايعطيه أيها السادة. كتب الدكتور سامر رضوان ملاحظاً بأن عواقب عدم الاهتمام تظهر في الأطفال أكثر من غيرهم فيما يعرف "بالحرمان".. "فالأطفال الذين يعانون من عدم الاهتمام والدفء الانفعالي تظهر عليهم أعراض الانسحاب والعزلة والتباطؤ الذهني ويموتون بشكل أبكر من الأطفال الذين يحصلون على الاهتمام العاطفي والرعاية بدرجة مقبولة. وكثير من الأمراض والاضطرابات النفسية ترجع أسبابها إلى فقدان الاهتمام.. ويرى علماء النفس أن الخط الفاصل بين جنوح الأحداث ونقص الاهتمام الأسري ليس بالكبير. كما وأنه خلف السلوك العدواني غالباً ما تكمن الرغبة في الاهتمام". ننفق بسخاء على أطفالنا، ونحبهم بطرق مختلفة، لكن البعض غير قادر على التعبير عن حبه، ناسياً أن التعبير عن الحب وإعلان الاهتمام يعني بالضرورة بناء إنسان سوي. يقول أحدهم "في لحظة تشعر أنك شخص بهذا العالم، بينما يوجد شخص في العالم يشعر أنك العالم بأسره" وأنت الأخير بالنسبة لطفلك. فهو يرى من خلالك العالم، ويشعره وجودك بالأمن، ويتعلم منك كيف يكون إنساناً، فإن خذلته فقد أفسدته لا محالة. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي أصحابه بأحب الأسماء إليهم، حتى الصغار كان يكنيهم: "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟". وهذا درس في الاعتراف، والتقدير، ينبت أغصانا يانعة بالخير في نفوس الآخرين فيكونون قادرين على غرس بعض أغصانها في قلوب غيرهم. ويرصد موقع ويكي هاو "wiki how" عدة نصائح للأبوين. أن تكون أباً أو تكوني أماً فإن ذلك قرار في غاية الخطورة، ويجب أن يكون الأبوان مستعدين لتحمل مسؤولياته، وليس من العقل ولا من الإنسانية ولا التدين أن يتحول البيت إلى مفرخة للأطفال دون النظر في التزامك تجاههم، الأمر هنا ليس ذا علاقة بالمال والإنفاق، إنه متعلق بشيء أكبر من ذلك. المطلوب منك أن تجعل مهمتك الأبوية أولًا، وقبل أي أولويات أخرى. وأن يكون الأطفال جزءاً أساساً في جدول المهام اليومي والأسبوعي للأبوين، وأن نتعلم كيف ننصت لأبنائنا، ونشجعهم على الحديث والحوار، ليكونوا قادرين مستقبلًا على امتلاك مهارات الاتصال والتعبير عن نفوسهم. ومطلوب منا أن نحترمهم ليحترمونا، وأن نكون أوفياء بما نتعهد به لهم، ليتعلموا الوفاء بالوعود. وبالقدر الذي نحب أطفالنا تكون حياتهم سوية. قل لطفلك ولو مرة واحدة يوميًا أنك تحبه، والأفضل أن تقولها على قدر ما تستطيع. الحب لا يجعل الطفل مدللًا، ولكن عدم توجيهه هو الذي يفسد تربيته. علمه كيف يعتمد على نفسه منذ الصغر. علمه أن يتحمل مسؤولية أي عمل يقوم به. ولا تكن تربيتك لطفلك بالكلمات فقط وإنما بالمثال أيضًا.. كن نموذجًا جيدًا لما تدعوهم إليه؛ فطفلك مثل الإسفنجة، وعليك أن تراقب بحذر ما يمتصه من قيم وعادات وأخلاقيات ومعلومات من وسائل التقنية والإعلام والأصدقاء. وعلّم ابنك طريقة التصرف السليمة، وكيف يحترم الناس وإثراء معجمه بعبارات من أمثال: من فضلك، وشكرًا، ولو سمحت، لأنها ستكبر معه. واستخدم الكلمات نفسها التي ترغب أن يستخدمها طفلك. وعلم طفلك كيف يتعاطف مع الآخرين كما تعلمه شكر النعم. حتى نبني مجتمعاً سليماً لابد أن ننظر إلى الأبوة على أنها مسؤولية كبيرة، ومهمة مشتركة بين الأبوين، وأن المال ماهو إلا أسهل ما يمكن أن توفره لأطفالك، بينما الأهم هو أن تكون في حياتهم أنموذجاً لما تريدهم أن يكونوا عليه مستقبلاً. إنك لاتجني من الشوك العنب، تذكر ذلك. لمراسلة الكاتب: [email protected]