ربما يكون تاريخ هذه الأغنية هو الأقرب في تاريخ هذه الزاوية التي استعرضت حتى هذا المقال ما يقارب المائة أغنية، لكن قيمتها التي تتجاوز التاريخ الذي صدرت فيه إلى التغيير والأثر الذي أحدثته وكذلك استعادة شعلة المجد لنوع الموسيقى الذي تنتمي لها، تجعل أغنية "مركز التأهيل – Rehab" تستحق كل التقدير الذي ما زالت تحصده حتى اليوم، ربما ليست الأغنية تحديداً كأول ظهور حقيقي عالمي لإيمي واينهاوس، بقدر ما هي إيمي واينهاوس نفسها. تعود قصة هذه الأغنية لفترة سابقة لإنتاجها، من خلال حياة إيمي واينهاوس المثيرة للجدل. الشركة التي كانت تدير أعمالها الفنية اقترحت عليها أن تذهب إلى مركز للتأهيل من الإدمان على الكحول، لكن إيمي واينهاوس رفضت الاستجابة لهذا الطلب بأنها حالتها لا تستدعي مثل هذا الإجراء وأنا كل ما في الأمر كما صرح أبوها بأنها تمر بحالة نفسية صعبة بسبب انفصال عاطفي عميق، وأنها ليست على هذه الحالة بشكل مستمر وإنما تقع في هذه المشكلة من فترة لأخرى. إيمي رفضت الاقتراح بثلاث لاءات أصبحت إيقاعاً لأغنيتها التي ستقدمها ولكن مع إدارة أعمال جديدة بعد فسخ العقد مع الشركة الأولى صاحبة الاقتراح. فيما بعد وبينما كانت إيمي واينهاوس تتنزه مع المنتج الموسيقي مارك رونسون في نيويورك حكت له الحكاية بنفس الإيقاع السابق في الرفض، رونسون يقول في بعض المقابلات أنه ورغم أن إيمي كانت تحكي له الحكاية باستفاضة فإن كل ما كان يفكر فيه هو الإيقاع الذي رفضت به إيمي اقتراح دخول مركز التأهيل، وهكذا قادت هذه الجلسة سلسلة جلسات أخرى حتى أصبحت الأغنية على الشكل الذي عرفت به اليوم. تتحدث كلمات القصيدة الغنائية عن القصة السالفة الذكر، لكن واينهاوس تطور النص من خلال بعض الإشارات التي ترتبط بعالمها الموسيقي من الجاز والسول، إذ تقول أنها لا تجد أي سبب لدخول مركز التأهيل لأنه لن يعلمها شيئاً جديداً لا يستطع السيد راي تعليمها إياه، وهي تقصد المغني الأمريكي راي تشارلز، ثم وفي سياق آخر تورد اسم هاثواي وتقصد به مغني الجاز والبلوز الشهير دوني هاثواي، لكن واينهاوس في المقطع الثاني تبدأ في التعبير عن مشكلتها الحقيقة وهي الخوف البالغ من فقدان حبيبها، إنها تحتاج لصديق كي تخبره عن حقيقة ما تشعر به، إنها فعلاً ترغب بأن لا تقترب من المثبطات أو المنشطات، ولا ترغب أيضاً في قضاء عشرة أسابيع يعتقد الكثيرون أنها تحاول إصلاح أمر ما من خلالها. تفتح الأغنية مباشرة في نوتة السي بصوت واينهاوس، وبمرافقة الجوقة كاملة في طراز السول ذي الأعين الزرقاء كما يسمى، وبالرغم من أن المسمى يطلق على البيض الذين يغنون السول أو الجاز، لكن نمطه يشيع فيه قطع الطريق على الافتتاحات الطويلة المعتادة في نمط الجاز والسول العام، وبرغم الظهور البارز للآلات الوترية والنحاسية، إلا أن آلات النقر كانت هي الأبرز في هذه الأغنية والتي دعمها بشكل بارز يمكن بناء الإيقاع عليه، هو صوت واينهاوس المتموج وقدراتها الفذة في التنوع والانتقال بطريقة أخاذة. في نسخة الفيديو المصورة للأغنية، نرى واينهاوس في غرفتها ومعها الفرقة كاملة، ثم تنتقل الأحداث إلى منظور الشخص الآخر فيما يبدو مكتب طبيب نفسي، وفي الإغلاق ورغم كل اعتراضات واينهاوس إلا أننا نراها في ختام الفيديو وهي تغني كلمات الرفض من داخل مصحة التأهيل. المغنية البريطانية البارزة أديل، وكذلك مغنية الجاز دافي تدينان بالفضل لإيمي كونها فتحت الطريق للكثيرين من الشباب البريطاني إلى سوق الموسيقى الأمريكية والتي تعتبر السوق الأكبر وصاحب الانتشار الأسرع لأي فنان في العالم، وقد أكدت أديل أن الكثير من المنتجين عادوا مرة أخرى إلى المملكة المتحدة في محاولة استكشاف لمواهب أخرى تشبه واينهاوس التي غادرت مبكراً بسبب إحباطها المتكرر الذي قادها لفعل ما كانت هذه الأغنية تدور حوله تماماً. العجيب في مسألة التأثير أن المغنية الأمريكية غريبة الأطوار ليدي جاجا تعزو إلى إيمي واينهاوس فتح الطريق إلى الفنانات الغريبات على حد قولها، وهذا الكلام في نظرة عامة لا يتفق والغرابة التي تقدمها فنانة يبدو حالياً أن وهجها يذوي بينما ألق موسيقى واينهاوس يطغى على كل ما له علاقة بالغرابة التي تقصدها جاجا فيما يتعلق بوشوم واينهاوس وحواجبها المستعارة. ربما كانت تاريخ الأغنية الحديث لا يساعد كثيراً في استقراء الأثر الكبير الذي فعلته، أو فعلته إيمي واينهاوس نفسها، لكن ما يوجد بين أيدينا في هذا التاريخ القصير يؤكد أن الأمر لا علاقة له بموت واينهاوس المأساوي والمفاجئ مقارنة بعمرها، بقدر ما له علاقة بالتغيير الكبير الذي حدث والذي يجعل ناقداً مثل جوش تاينرجل من بلومبيرغ يرى فيها يقظة من بعد أربعة عقود كانت فيها موسيقى السول والجاز تقدم الكثير من الأعمال الجيدة التي لم تحظ بالحضور الكبير لهذه الأغنية التي دخلت تاريخ موسيقى الأغنية العالمية من أوسع أبوابه.